للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو أردنا أن نتعرف على الحكمة من وضع هذه الخطبة، لرأينا أن هذه الحكمة هي أن الناس يجتمعون في هذا اليوم العظيم الذي اشتمل على كثير من الفضائل والمحاسن، فيأتون من كل فجٍّ (١)، ويجتمعون وينضوون (٢) تحت سقف واحد في مسجد واحد، يتسابقون إلى استماع هذه الخطبة، فينبغي إذن أن تشتمل هذه الخطبة على فوائد وثمار ونتائج يخرج الناس وقد استفادوا منها، ومنها وجدنا -كما أشرنا- أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُكثِر من قراءة سورة (ق) (٣).

لأن سورة (ق) افتتحها اللَّه سبحانه وتعالى بقوله: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ق: ١، ٢]. إذن سورة (ق) تحدثت عن أمر عظيم خطير، ألا وهو ما يتعلَّق بالبعث، فإن المشركين كانوا ينكرونه، واللَّه سبحانه وتعالى قد ضرب الأمثلة وأقام الأدلة في هذه السورة، وبعد أن عرض كثيرًا من المواعظ والذكر في هذه السورة، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)} [ق: ٣٧].

إذن نجد أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يبحث عمَّا يؤثر في نفوس الناس، عما كان يأخذ بأيديهم ويقودهم إلى طريق الخير والرشاد، كان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-


= هو الخطبة، فدل على جوازها بكل ذكر. وقال أبو يوسف ومحمد: الكلمة الواحدة لا تسمى خطبة، والجمعة إنما فعلت بخطبة، فلا يجزي إلا أن يأتي بما يُسمَّى خطبة على الإطلاق". وانظر: "العناية شرح الهداية"، للبابرتي (٢/ ٥٩).
وفي مذهب الحنابلة: القدر الواجب أن تشتمل على الذكر والثناء والوعظ وشيء من القرآن.
انظر: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (١/ ٣١٦)، وفيه قال: " (للقدر الواجب) من الخطبتين، وهو أركان كل منهما وهو الحمد والصلاة عليه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقراءة آية، والوصية بتقوى اللَّه". وانظر: "المغني"، لابن قدامة (٢/ ٢٢٦)، ففيه مزيد بيان.
(١) "الفَجُّ": الطريق الواسع فىِ قُبُل جبلِ ونحوه، ويُجمع فِجاجًا. انظر: "العين"، للخليل (٦/ ٢٤).
(٢) ينضوون، أي: يميلون وينضمون، يقال: ضويت إلى فلان، أي: ملت، وضوى إلينا أوى إلينا. انظر: "لسان العرب"، لابن منظور (١٤/ ٤٩٠).
(٣) سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>