للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي سورة الفاتحة، وأنها افتتحت بقول اللَّه سبحانه وتعالى بعد بسم اللَّه الرحمن الرحيم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)}.

* قوله: (وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ قَالُوا بِوُجُوبِهَا فِي القَدْرِ المُجْزِئِ مِنْهَا).

الضمير في قوله (وجوبها) يعود إلى الخطبة، وقد رأينا في مطلع هذه المسألة أن المؤلف قد أشار إلى أن العلماء بعد اتفاقهم -ويعني: بهم الجمهور- على اشتراط الخطبة في الجمعة اختلفوا في القدر الواجب؛ لأن الخطبة تطلق في لغة العرب ويقصد بها معنى (١)، وتطلق أيضًا في عرف الشريعة ويقصد بها ما جاء في خطب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما تلاها من خطب خلفائه والصحابة، فأيّ المعنيين المراد؟

هل المراد ما جاء في لغة العرب؟ فإن قيل بذلك فيكفي أقل ما يسمَّى خطبة في كلام العرب، فلو أن إنسانًا وقف فحمد اللَّه أو سبح اللَّه أو كبر وهلل فإنه يُسمَّى خطيبًا، لكن في عرف الشرع هناك ضوابط وأسس كما أشرنا قبل قليل، أمور راتبة مستقرة ثابتة ترد في الخطب، ولذلك -كما أشرنا من قبل- نجد أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في خطبه يحمد اللَّه سبحانه وتعالى، ويقول: "مَن يهد اللَّه فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له" (٢). وكان أيضًا -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إنَّ خير الحديث كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ، وخير الهدي هدي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-" (٣) وكان يبشر الناس ويحذرهم من الفتن ومن


(١) "الخُطبة" بضم الخاء: هو الكلام المؤلف المتضمن وعظًا وإبلاغًا. وقيل: الخطبة عند العرب: الكلام المنثور المسجع، ونحوه. وهي مثل الرسالة، التي لها أول وآخر. انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: ٨٤، ٨٥)، و"لسان العرب"، لابن منظور (١/ ٣٦١).
(٢) أخرجه أبو داود (٢١١٨)، وغيره، وصححه الألباني في: "إرواء الغليل" (٦٠٨).
(٣) أخرجه مسلم (٨٦٧/ ٤٣)، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومساكم"، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين إصبعيه السبابة، والوسطى، ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".

<<  <  ج: ص:  >  >>