للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مأمورون بالسكوت والإنصات (١)، ولا شكَّ أنَّ المواعظ لها أثر عظيم في إحياء القلوب، وتوجيهها، وإصلاحها.

وأيضًا ليس من شروط الخطبة أن تكون طويلة، بل العلماء يذهبون إلى أن الأولى في الخطبة أن تكون قصيرة (٢)، لكنَّه مع قصرها ينبغي أن تحمل المعاني العظيمة؛ لأنَّ الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "قِصَرُ خُطبة الرجل مِئِنَّة (٣) فقهه" (٤): علامة فقهه، لكنَّه ربط قصر الخطبة بالفقه، وكل ما كان الإنسان عالمًا فقيهًا متمكنًا استطاع أن يَنفُذ إلى قلوبِ الناسِ، وأن يَستولي على


(١) وفي ذلك حديثه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي أخرجه البخاري (٩٣٤)، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت".
(٢) انظر في مذهب الأحناف: "البناية شرح الهداية"، للعيني (٣/ ٦٠)، وفيه قال: "فتكون خطبة وجيزة قصيرة، وقصر الخطبة مندوب إليه، وروي: "طول الصلاة وقِصَر الخطبة مَئِنَّة من فقه الرجل"".
انظر في مذهب المالكية: "منح الجليل"، لعليش (١/ ٤٣٨)، وفيه قال: " (و) ندب (تقصيرهما)، أي: الخطبتين، (والثانية أقصر) من الأولى ندبًا".
انظر في مذهب الشافعية: "فتح الوهاب"، لزكريا الأنصاري (١/ ٨٩)، وفيه قال: "أن تكون الخطبة (متوسطة)، لأن الطويلة تمل، وفي خبر مسلم، عن جابر بن سمرة، قال: "كانت صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قصدًا، وخطبته قصدًا"، أي: متوسطة، والمراد: أن تكون الخطبة قصيرة بالنسبة للصلاة، لخبر مسلم: "أطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة"".
انظر في مذهب الحنابلة: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (١/ ٣١٧)، وفيه قال: " (و) سُن (قصرهما)، أي: الخطبتين، (و) كون (الثانية أقصر) من الأولى لحديث: "إنَّ طول صلاة الرجل وقِصر خطبته مِئِنَّة مِن فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة"".
(٣) مئنة: علامة لذاك خليق لذاك. يعني: أن هذا مما يُعرف به فِقه الرجل ويستدل به عليه، وكذلك كل شيء دَلَك على شيء فهو مِئنة له. انظر: "غريب الحديث" للقاسم بن سلام (٤/ ٦١).
(٤) أخرج مسلم (٨٦٩/ ٤٧)، عن واصل بن حيان، قال: قال أبو وائل: "خطبنا عَمَّارٌ، فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفسَّت، فقال: إني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقول: "إنَّ طولَ صلاة الرجل وقِصَرَ خُطبته - مَئِنَّة من فِقهه؛ فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرًا"".

<<  <  ج: ص:  >  >>