للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا لا ينبغي أن يذهب المؤمن إلى الغلو (١)، ولا إلى أن يُفرط في دينه، وإنَّما ينبغي عليه أن يسير في نطاق كتاب اللَّه -عز وجل- وسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونعلم قصة أولئك النفر الذين قال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال الثاني: لا أنام الليل. وقال الثالث: لا أفطر؛ يعني: أصوم دائمًا. فأنكر عليهم الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبين أنَّ ذلك ليس من روح الإسلام، ومع أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتقى للَّه -سبحانه وتعالى-، وأفضل خلق اللَّه على الإطلاق بما في ذلك الأنبياء إلَّا أنَّه قال: "أمَّا أنا فأصوم وأُفطر، وأُصَلِّي وأرقد، وأتزوج النِّساء، فمَن رغب عن سنتي فليس مني" (٢).

إذًا التَّشدد في دين اللَّه غير مطلوب، وفرقٌ بين التَّشدد والغلو وبين التزام الطريق السوي الذي أمر اللَّه به -سبحانه وتعالى- وأمر به رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ وهو الطريق المستقيم الذي أشار اللَّه -عز وجل- إليه بقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٣]، ولا شكَّ أنَّ اتباع طريق اللَّه -سبحانه وتعالى-، والتزام صراطه هو الذي فسَّره الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن طريق ضرب المثل، عن طريق الخطوط (٣)، هذا هو الطريق السوي، أمَّا الغلو في


(١) الغلو: الارتفاع في الشيء، ومجاوزة الحد فيه. انظر: "جمهرة اللغة"، لابن دريد (٢/ ٩٦١).
(٢) أخرجه البخاري (٥٠٦٣)، واللفظ له، ومسلم (١٤٠١/ ٥)، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، يسألون عن عبادة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء؛ فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما واللَّه إني لأخشاكم للَّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني"".
(٣) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (١١١١٠)، عن عبد اللَّه، قال: "خَطَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَطًّا، وخَطَّ عن يمين الخَطِّ وعن شماله خُطَطًا، ثم قال: "هذا صراط اللَّه مستقيمًا، وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه"، ثم قرأ: " {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}، وحسنه الألباني في "مشكاة المصابيح" (١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>