للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني: يريد المؤلف أن يقول: يُخشى أن يصل ذلك إلى درجة الغلو، وكم من أقدام زَلَّت (١) بسبب الغلو، واللَّه -سبحانه وتعالى- حَذَّرنا أن نقع فيما وقع فيه من سبقونا؛ قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: ١٧١]، وقوله: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: ٧٧]، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "هَلَكَ المُتَنَطِّعُون" (٢)، وقال: "إيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّين" (٣)، فكم من أُناس زَلَّت أقدامهم، وانحرفوا عن الطريق السوي، وركبوا طريق الغواية (٤)، بسب غلوهم في دين اللَّه، وخير مثال على ذلك: ما حصل من الخوارج، وأيضًا يقابل ذلك الذين يُفرطون في دين اللَّه، ويتساهلون فيه، فيخرجون من ربقة الإسلام.

إذًا دينُ اللَّه وسط، ولن يُشاد الدين أحد إلَّا غلبه، لذلك الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "سددوا وقاربوا" (٥).


(١) زَلَّ الشيءُ عن الشيء، إِذا دحض عنه يَزِلُّ زَلًّا وزَلِيلًا. وزَلَّ الرجل زلَّة قبيحة، إذا وقع في أمر مكروه أو أخطأَ خطأً فاحشًا. ومنه قولهم: نعوذ باللَّه من زلَّة العالم. انظر: "جمهرة اللغة"، لابن دريد (١/ ١٣٠).
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٧٠/ ٧)، عن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هَلَك المُتنطعون"، قالها ثلاثًا.
(٣) أخرجه النسائي (٣٠٥٧)، عن ابن عباس، قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غَداة العقبة وهو على راحلته: "هات، القط لي". فلقطت له حَصَيات هن حَصى الخَذف، فلما وضعتهن في يده، قال: "بأمثال هؤلاء، وإيَّاكم والغُلُوَّ في الدين؛ فإنما أهلك مَن كان قبلكم الغلو في الدين"، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٢٨٣).
(٤) غوى الرجل يغوي غيًّا: انهمك في الباطل. والغواية: الضلال. انظر: "مجمل اللغة" لابن فارس (ص: ٦٨٧).
(٥) أخرجه البخاري (٣٩)، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ الدين يُسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة".

<<  <  ج: ص:  >  >>