للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنا لا يتعلَّق الأمر بأمر محظور يصل إلى حَدِّ تحريم الميتة، ونحوها، والعلماء قالوا: الحاجة تُنَزَّل منزلة الضرورة؛ عامَّة كانت أو خاصَّة (١)، والحاجة هنا قائمة، فما بالكم في مُدن يَصل عدد سكانها إلى عشرة ملايين، أو يتجاوز ذلك، أو أقل، هذا أمر متعذر، ويترتب عليه عناء ومشقة وضرر يلحق بالمسلمين.

إذًا الواقع أنَّ تعدد الجمعة نظرًا للحاجة إليه: جائزٌ.

لكن لا ينبغي أن يتوسع في ذلك من غير حاجة، فيقال: كل مسجد تقام في الجماعة تقام فيه الجمعة، لا، ينبغي أن تلاحظ حالات الناس وظروفهم، وليس كل الناس لديها الاستطاعة أن ينتقل من مكان بعيد إلى مكان قريب.

إذًا أقرب الأقوال في ذلك هو الذي يلتقي مع روح هذه الشريعة، ومع سموها وشرها وتخفيفها؛ هو أنَّه يجوز أن تتعدد الجمعة عند الحاجة إليها، فإذا احتاج المسلمون في مدينة من المدن إلى أن تقام صلاة الجمعة


= وبالبول، وقتل المحرم الصيد دفعًا عن نفسه إذا صال عليه فإنه لا يَضمن. ومنها: العفو عن أثر الاستجمار، وغير ذلك مما لا حصر له. انظر: "مختصر التحرير شرح الكوكب المنير"، لابن النجار (٤/ ٤٤٤).
(١) يقصد أن الحاجة التي تتعلق بها مصالح الناس تُباح لهم، وإن كان فيها شيء من المحظور حفاظًا على مصالحهم.
انظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: ٨٨)، وفيه قال: "الحاجة تُنزل منزلة الضرورة؛ عامة كانت أو خاصة. من الأولى: مشروعية الإجارة، والجعالة، والحوالة، ونحوها، جوزت على خلاف القياس؛ لما في الأولى مِن ورود العقد على منافع معدومة، وفي الثانية من الجهالة، وفي الثالثة مِن بَيع الدَّيْن بالدَّيْن؛ لعموم الحاجة إلى ذلك، والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة. ومنها: مسألة الصلح وإباحة النظر للمعاملة، ونحوها، وغير ذلك. ومن الثانية: تضبيب الإناء بالفضة يجوز للحاجة، ولا يعتبر العجز عن غير الفضة؛ لأنه يُبيح أصل الإناء من النقدين قطعًا، بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سِوى التزيين؛ كإصلاح موضع الكسر والشَّد والتوثق. ومنها: الأكل من الغَنيمة في دار الحرب جائز للحاجة، ولا يشترط للآكل أن لا يكون معه غيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>