للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدمة هذه الأسس والأصول: التيسير ورفع الحرج؛ يقول -سبحانه وتعالى- في كتابه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وقال أيضًا: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨]، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "بَشِّرَا ولا تُنَفِّرَا، ويَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا" (١).

إذًا هذه الشريعة جاءت لترفع عن هذه الأمة الأغلال (٢) التي كانت على الأمم السابقة، فهذه الشريعة وضع فيها العلماء القاعدة المعروفة: (المشقة تجلب التيسير)، آخذين ذلك من نصوص كتاب اللَّه -عز وجل-، ومن سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (٣)، فلو أنَّه أخذ بقول الأكثرين: لا يجوز أن تتعدد الجمعة في بلد واحد، فهل من الممكن أن يجتمع الناس كلهم في هذه المدينة التي تعتبر من أواسط المدن سكانًا، هل يمكن أن يجتمع الناس دون أن يلحقهم ضرر وعناء ومشقة؟ وعلمنا أنَّ الضرورات أباحت المحظورات (٤)،


(١) أخرج البخاري (٣٠٣٨)، ومسلم (١٧٣٣/ ٧)، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جَدِّه: "أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، قال: "يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا، وبشِّرَا ولا تُنفِّرَا، وتَطَاوَعَا ولا تَختلفَا"".
(٢) الأغلالُ: جمع غُلٍّ، وهو: الذي يُغَلُّ به الإنسانُ، أي: يُشَدُّ به إلى عنقه. انظر: "شمس العلوم"، للحميري (٨/ ٤٨٧٠).
(٣) انظر: "التحبير شرح التحرير"، للمرداوي (٨/ ٣٨٤٧ - ٣٨٥٠)، وفيه قال: "ومن القواعد: أن المشقة تجلب التيسير. ودليله: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، إشارة إلى ما خُفِّف عن هذه الأمة من التشديد على غيرهم؛ من الإصر ونحوه، وما لهم من تخفيفات أُخَر؛ دفعًا للمشقة، كما قال تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}، وكذلك تخفيف الخمسين صلاة في الإسراء إلى خمس صلوات، وغير ذلك مما لا ينحصر. ولدخل تحت هذه القاعدة: أنواع من الفقه، منها في العبادات: التيمم عند مشقة استعمال الماء على حسب تفاصيل في الفقه، والقعود في الصلاة عند مشقة القيام وفي النافلة مطلقًا، وقصر الصلاة في السفر، والجمع بين الصلاتين، ورُخص السفر وغيرها".
(٤) قاعدة الضرورات تُبيح المحظورات، معناها: أن وجود الضَّرر يُبيح ارتكاب المحظور، أي: المحرم، بشرط كون ارتكاب المحظور أخف من وجود الضرر، ومِن ثَمَّ جاز -بل وجب- أكل الميتة عند المخمصة، وكذلك إساغة اللقمة بالخمر =

<<  <  ج: ص:  >  >>