للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبدًا؛ لا يقرب من ذلك، إذًا نسبته إلى هذا العدد قليلة جدًّا، إذًا لم تكن هناك حاجة لإقامة أكثر من جمعة.

الأمر الآخر: أنَّ الصلاة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تختلف عن غيره، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي يَنزل عليه الوحي، وهو المُبَلِّغ عن اللَّه -سبحانه وتعالى- رسالته، وهو الذي تنزل عليه الأحكام فيُلقيها على الناس، والناس يحرصون على أن يأتوا فيحضروا صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ليأخذوا من علمه وأحكامه.

وأيضًا لما في الصلاة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الفضل، إذًا لم تكن هناك حاجة (١).

وقد يقال: تكرر ذلك في زمن الخلفاء الرَّاشدين.

ويُجاب أيضًا: بأنَّهم كانوا يحرصون على أن يأخذوا عن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكننا نقول: قد صح ذلك وثبت عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- أنَّه أَذِنَ للضعفاء من المسلمين أن تُصلى بهم صلاة العيد في المسجد، وخرج بالآخرين، وهذه صلاة عيد، وهذه صلاة عيد الجمعة فلا فرق (٢).

نعود مرة أُخرى لنقرر المسألة: اللَّه -سبحانه وتعالى- قد أنزل علينا هذه الشريعة وخصها بخصائص لم تكن في الشرائع السابقة، ولقد استقرأ العلماء -رحمهم اللَّه- هذه الشريعة، وبينوا أنَّها تقوم على أُسس عظيمة، يأتي في


(١) انظر: "المغني"، لابن قدامة (٢/ ٢٤٨)، وفيه قال: "ولنا: أنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة، فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع، كصلاة العيد. وقد ثبت أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- كان يَخرج يوم العيد إلى المصلى، ويَستخلف على ضعفة الناس أبا مسعود البدري، فيصلي بهم. فأما ترك النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إقامة جُمعتين، فلغناهم عن إحداهما، ولأن أصحابه كانوا يَرون سماع خطبته، وشهود جمعته، وإن بعدت منازلهم؛ لأنه المبلغ عن اللَّه تعالى، وشارع الأحكام، ولما دعت الحاجة إلى ذلك في الأمصار صُلِّيت في أماكن، ولم يُنكر، فصار إجماعًا. وقول ابن عمر يعني: أنها لا تقام في المساجد الصِّغار ويترك الكبير، وأما اعتبار ذلك بإقامة الحدود، فلا وجه له".
(٢) سبق ذكر هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>