للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" (١). و"لا" ناهية، والنهي يعمُّ، ويقتضي فساد وحُرمة ارتكاب المنهي عنه (٢).

وَمَعَ ذلك نقول بصحة صلاة مَنْ صلى على هذه الحالة، ولم يجد ما يستر به عاتقيه " لأنه عجز عما يستر به، والله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، ويقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، لكن الإنسان القادر على التَّستُّر كيف يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى مكشوفًا؟! فإذا كان يَسْتحي من الناس أن يظهر أَمَامهم هكذا، فاللّه أحقُّ أن يُسْتحيى منه، خصوصًا في أهمِّ رُكْنٍ من أركان الإسلام بعد الشَّهادتين ألا وهو الصلاة، بل ينبغي أن يَكُون الإنسَان على أحْسَن حَالَةٍ، كما قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١].

فَالحُجَّة ليست مع الأكثرية ولا الجمهور، ما دام هناك نصٌّ، والفقيه المتدبر ينظر إلى الدليل، ويُقدمه على أيِّ رأيٍ، فمعنا حديث رسول الله الذي فيه نهي، ومَنْ خالف نَهْي رسول الله يكون مخالفًا.

وأقلُّ ما يُقَال في ذلك أيضًا أنَّ الخروج من الخلاف مستحبٌّ، كمَا هو معروف في القواعد الفقهية إلا الخلاف الباطل (٣)، ومَنْ لا يُعتَد


(١) أخرجه البخاري (٣٥٩)، ومسلم (٥١٦/ ٢٧٧)، عن أبي هريرة، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه شيء".
(٢) سبق ذكر هذا.
(٣) انظر: "قواعد الأحكام في مصالح الأنام "، لعز الدين عبد السلام (١/ ٢٥٣، ٢٥٤)، وفيه قال: "الخلاف على أقسام:
القسم الأول: أن يكون الخلاف في التحريم والجواز، فالخروج من الاختلاف بالاجتناب أفضل.
القسم الثاني: أن يكونَ الخلاف في الاستحباب أو الإيجاب، فالفعل أفضل كقراءة البسملة في الفاتحة، فإنها مكروهة عند مالك، واجبة عند الشافعي، وإن تقاربت الأدلة في سائر الخلاف بحيث لا يبعد قول المخالف كل البعد، فهذا مما يستحب الخروج من الخلاف فيه، حذرًا من كون الصواب مع الخصم، والشرعُ يحتاط لفعل الواجبات والمندوبات، كما يحتاط لتَرْك المحرمات والمكروهات ".

<<  <  ج: ص:  >  >>