وددت أني أعرف هفت، ودوازده يريد النّجوم السّبعة السيّارة، والبروج الاثني عشر، وقال معاوية لدغفل بن حنظلة العلّامة وقد ضمه إلى يزيد علّمه العربية والأنساب والنّجوم: أترى هؤلاء حضّوا على الضّلالة، ورغبوا في السّفاهة، فتأمّل ما ذكرته فإنه واضح.
فإن قيل: إذا كان القول في قضايا النّجوم على ما ذكرته فما وجه قول إبراهيم عليه السلام مخاطبا لقومه وهم يعبدون الأصنام ليقربهم إلى الله زلفى: فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ
[سورة الصافات، الآية: ٨٧- ٩٠] قلت: قد تكلم النّاس في هذا فقال بعضهم النّجوم جمع نجم، وهو ما نجم من كلامهم لما سألوه أن يخرج معهم إلى عيدهم، ونظر نظرة معناه تفكّر ليدّبر حجّة فقال: إني سقيم يريد سقيم من كفرهم وإيمانهم بغيره، وهذا كما يقال أنا مريض القلب من كذا وإنما تخلف عنهم لما أضمر من كيد أصنامهم لأنّ حجته عليهم في تعطيل عيدهم فلمّا غابت عيونهم جعلها جذاذا.
وسئل ابن الأعرابي عن معنى قوله تعالى: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ
[سورة الأنبياء، الآية: ٦٠] معنى يذكرهم يعيبهم وأنشد:
لا تذكري فرسي وما أطعمته ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
قال أبو إسحاق الزّجاج: قال ذلك لقومه، وقد رأى نجما فقال: إني سقيم يوهمهم أنّ به الطّاعون، فتولّوا عنه مدبرين فرارا من أن يعذبهم الطّاعون، وإنّما قال: إني سقيم لأنّ كل أحد وإن كان معافى لا بدّ له من أن يسقم ويموت. قال تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
[سورة الزمر، الآية: ٣] أي أنك ستموت فيما تستقبل فكذلك إني سقيم أي سأسقم لا محالة.
وروي في الحديث لم يكذب إبراهيم عليه السّلام قط إلا في ثلاث وإنّ هذه الثلاث وقعت فيها معارضة. وذلك قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا
على معنى إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ
[سورة الأنبياء، الآية: ٦٣] فقد فعله كبيرهم، وقوله في سارة: هي أختي في الإسلام. وقوله: إِنِّي سَقِيمٌ
[سورة الصافات، الآية: ٨٩] على ما فسرناه، وقال أبو مسلم: عطف بالفاء هذا الكلام على ما تقدم من أمره في مخاطبة قومه بقوله: ماذا تعبدون، قال: ونظرة في النّجوم هو الذي أخبر الله تعالى به عنه إذ يقول الله: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ
[سورة الأنعام، الآية: ٧٠] إلى وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
[سورة الأنعام، الآية: ٧٩] فكانت نظرته تلك للتبين.
فلما أراه الله الآيات في نفسه، وفي الآفاق كما قال الله تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ
الآية، قال لقومه: أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ
[سورة الصافات، الآية: ٨٦] وذلك حين قال: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
[سورة