الباب الرابع والأربعون في ذكر ما أبهم من الأوقات حتى لا يتبيّن للسّامع حاله وما شرح منها
اعلم أنّ مذاهب العرب في التّنبيه على أوقات الأفعال مختلفة وذلك لاختلاف أحوالهم فيما يقصدونه من البيان، فربّما بالغوا في التّعين والشّرح حتى يصير المستدل عليه كما يشار باليد إليه، وربما أبهموها اعتمادا على القرائن لأنّها قد تنوب عن الأوصاف المخصصة فيعتمد في الإبانة عليها أو ربما أبهموها حتى لا يكاد يتحصّل للسّامع منها تفقّه على واحد منها بعينه لشمول صفاته للأوقات كلّها وجميع ذلك موجود في أشعارهم، فمن ذلك قوله يصف امرأة:
ساهرت عنها الكالئين فلم أنم ... حتّى التفتّ إلى السّماك الأعزل
والسّماك قد يطلع في كلّ آناء اللّيل ومثله:
ونائحة صوتها رائع ... بعثت إذا ارتفع المرزم
و (ارتفاع المرزم) ليس مما يكون وقد لا يكون، ويروى إذا خفق المرزم، وحينئذ يقرب التّحديد به، ومثل هذا قول الآخر:
حتى رأيت عراقي الدّلو ساقطة ... وذو السّلاح مصوح الدّلو قد طلعا
قوله:(وذو السّلاح مصوح الدّلو) : هو مما يكون على حالة واحدة أبدا، وذلك أنّ السّماك الرّامح متى طلع سقطت عراقي الدّلو، و (المصوح) الغيبوبة وقد جاء في المصيح والفعول والفعيل يجتمعان في فعل واحد مصدرين، ومثله الوكوف والوكيف، ومثل قول الآخر:
قلت له والجدي فوق الفرقد ... إنّك إن تصج بهذا المرقد