وهي حرفه وكأنها مأخوذة من كف لأنّ الشيء إذا انتهى إلى ذلك كفّ عن الزّيادة ولا يثنّى ولا يجمع لأنّها مصدر في الأصل كالعاقبة، وقم قائما، وكقولهم: العامّة والخاصة.
ومن هذا قولهم: لقبته كفة كفة، والمعنى كفة ككفة، أو كفة إلى كفة، قوله تعالى:
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
[سورة التوبة، الآية: ٣٦] ضمان منه يقال لنصرة المؤمنين قوله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ
[سورة التوبة، الآية: ٣٧] النّساء، التأخير، وقال: نسأ الله في أجله، ومنه النّسيء في تأخير الدّين يقول: فالذي يفعله الكافرون في تقديم الأشهر الحرم على أوقاتها التي جعلها الله لها وتأخيرها زيادة في كفر الكافرين، واستمرار في ضلالهم وذهاب عن الواجب عليهم وإنّما كانوا يفعلون ذلك فيحلّون الشهر من هذه الشّهور في بعض الأعوام ويحرّمونه في العام الآخر ليوافقوا بالتّحليل تحريم الله تعالى فيحلّوا الحرام ويحرّموا الحلال.
قوله تعالى: زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ
[سورة التوبة، الآية: ٣٧] أي استحسنوا من ذلك ما هو سيىء وأتى بلفظ الخبر، عن المفعول ولا فاعل، ثم ومثله قولهم: أعجب بنفسه، وعنى بكذا وهذا كان من عادتهم كما كانوا يفعلونه في البحيرة والسائبة، والوصيلة، والحامي حتى أبطلها الله تعالى بما أنزل فيه:(والبحيرة) كانت النّاقة إذا انتجت خمسة أبطن، وكان آخرها ذكرا شقّوا أذنها، وامتنعوا من ركوبها ونحرها، ولا تمنع عن ماء وكلاء ولا يركبها المعي إذا لقيها.
والسّائبة: كان الرّجل إذا نذر لقدوم من سفر، أو برء من علّة يقول: ناقتي سائبة، أو عبدي سائبة فلا يستعان بعد ذلك به ولا يحادث عما يريده.
والوصيلة: هي الغنم إذا وضعت أنثى كانت لهم وإن وضعت ذكرا جعل لآلهتهم، وإن ولدت ذكرا، وأنثى قالوا؛ وصلت أخاها فلم يذبحوا الذّكر لآلهتهم.
والحامي: كانوا إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: حمى ظهره فلا يحملون عليه ولا يمنعونه من ماء ومرعى.
[فصل في بيان النسيء]
فيما قاله النّاس نقلة الأخبار والمفسرون ذكروا أنه كان قوم من بني كنانة يقال لهم بنو فقيم يتولّون ذلك إذا اضطروا إليه عند اتفاق حرب عظيمة وداعية خطب قوية يرى في الواجب عليهم الاشتغال في المحرّم به، فكان في ذي الحجة إذا اجتمعت العرب لموسمهم يقوم مناد فينادي: الآن استنسانا، واستفرضنا إلا أن المحرم صفر، وأنّ صفر هو المحرم