[سورة البقرة، الآية: ١٩] الآية. قوله: أو كصيّب تشبيه بعد تشبيه وذلك أنّ الله تعالى شبّه أعمال المنافقين واغترارهم بما اعتقدوه من مخادعة المؤمنين في إظهار موافقتهم وإبطان مخالفتهم، وأنّ ذلك يقضي لهم بالفلاح والنّجاح فقال: مثلهم في ذلك وإن كان لا ينفعهم ولا يدفع السّوء عنهم، بل يرجع بالوبال عليهم، كمثل رجل أوقد نارا وهو يظنّ استبانة الطّريق بها، فجاءت ضعيفة في إنارتها، ولمّا أضاءت ما حولها وقدر بقاها على ما بها، خمدت فعاد وهو أسوأ حالا وأشدّ عمّى لأنّ النّاظر في ظلمة بعد ضياء أضعف تبيّنا أو مثل قوم أصابهم صيّب استصحب رعدا وبرقا ونكدا وخوفا فخشوا رهبة من صاعقة تحرقهم، وتنزل البلاء بهم وهذا القدر كاف ههنا.
وروي أنه سئل ابن عباس عن البرق، فقال: مخاريق الملائكة. وأصل المخراق خشبة في رأسها سنان عريض تحته عذبة، وكان القوم إذا انصرفوا من حرب ظافرين قدّموا بشيرا معه مخراق، ليعلم الحال به وكان يوفي على نشز بقرب منهم، ويلّوح بالمخراق، فيجتمع ولدان الحي فرحين ويقولون: مخرق المخراق في رأس اليضع، فالجيش لا شكّ كما بدا رجع، فلا يزالون كذلك حتّى تطلع عناق الخيل، فيستقبلونها مصفقين، وإذا انصرف الخيل مغلوبين، أو طلبوا مددا بعثوا رجلا وأعطوه سيفا فأوفى على النّشز وألاح بالسّيف وصوّت، ليعلم الحيّ بالحال فاجتمع الصّبيان باكين ويقولون: رأى حتفا وألاح سيفا، وهذا رواه أبو نصر عن الأصمعي رأى حيفا، قال ثعلب هذا تصحيف ما يروي الرّاوون الأجنفا، ومنه قول تأبّط شرا: