تعالى في علم هذا وما أشبه مما ضمّنه هذا الفلك عبرا كثيرة، وآية مبصرة، ودلالة صادقة عم بجليله أكثر هذا الخلق، وخصّ بلطيفه خصائص منهم مدحهم حين تبينوه وأقاموا الشّكر عليه فقال تعالى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً
أي مضيئة: لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ
[سورة الإسراء، الآية: ١٢] الآية، وقرأ بعضهم مبصرة فيكون مثل قول عنترة: والكفر مخبثة لنفس المنعم.
وإذا وضعت مفعلة في معنى فاعل كفت من الجمع والتأنيث يقولون: الولد مجبنة، وهذا العشب ملينة مسمنة فاعلمه.
وقال في آية أخرى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
[سورة الأنعام، الآية: ٩٧] الآية، وقد علمنا أنّ خلقا كثيرا هلكوا بتفويض التّدبير إلى النّجوم ولإفراطهم في الأنواء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبحت طائفة منهم بها كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا فأمّا من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي وكفر بالكواكب» .
وروي عنه أيضا من وجه آخر: «لو أن الله عز وجل حبس المطر عن النّاس سبع سنين ثم أرسله لأصبحت طائفة بها كافرين يقولون مطرنا بنوء المجدح» ومما يدل على ذلك قول الشاعر شعرا:
يا سحم من نتج الذّراعين أنأقت ... مسائله حتّى بلغن المناجيا
المناجاة المكان المرتفع لا يبلغه السّيل.
وقال آخر شعرا:
وأخلف نوء المرزم الأرض قرّة ... لها شبم فيه شفيف وجالد
وقال آخر:
تربّع من جنبي قنا فعوارض ... نتاج الثّريا نوؤها غير مخدج «١»
ولو كان مرادهم بقوله: مطرنا بنوئه كذا: أي مطرنا في نوئه على التّشبيه بقول النّاس:
مطرنا في غرّة الشّهر لم يكن مكروها، وكذلك مذهبهم في تأمّل الغيث أن لو كان على نحو توقّع النّاس أياما للأوقات المعروفة بالمطر لم يكن به بأس، لأنّ النّاس جميعا يعلمون أنّ للحر والبرد والمطر والرّيح من السّنة وقتا جرت العادة بتقدير الله تعالى أن يكون فيه أكثر ما