لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}، وقال لهم في الأخ الآخر:{هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ}، ثم لما احتبسه يوسف عنده وجاء إخوته لأبيهم قال لهم:{بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}، فهم في الأخيرة وإن لم يكونوا مفرطين فقد جرى منهم ما أوجب لأبيهم أن قال ما قال من غير إثم عليه ولا حرج.
٣٥ - أن استعمال الأسباب الدافعة للعين وغيرها من المكاره أو الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع، بل جائز، وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء وقدر؛ فإن الأسباب -أيضًا- من القضاء والقدر لأمر يعقوب؛ حيث قال لبنيه:{يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}.
٣٦ - جواز استعمال المكايد التي يُتوصل بها إلى الحقوق، وأن العلم بالطرق الخفية الموصلة إلى مقاصدها مما يُحمد عليه العبد، وإنما الممنوع التحيل على إسقاط واجب أو فعل محرم.
٣٧ - أنه ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره بأمر لا يُحِب أن يَطَّلع عليه أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب، كما فعل يوسف؛ حيث ألقى الصواع في رحل أخيه ثم استخرجها منه موهمًا أنه سارق، وليس فيه إلا القرينة الموهمة لإخوته، وقال بعد ذلك:{مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ}، ولم يقل: من سرق متاعنا، وكذلك لم يقل: إنا وجدنا متاعنا عنده، بل أتى بكلام عام يصلح له ولغيره، وليس في