ذلك محذور، وإنما فيه إيهام أنه سارق؛ ليحصل المقصود الحاضر وأنه يبقى عند أخيه، وقد زال عن الأخ هذا الإيهام بعدما تبينت الحال.
٣٨ - لا يجوز للإنسان أن يشهد إلا بما علمه وتحَقَّقه؛ إما بمشاهدة أو خبر مَنْ يثق به وتطمئن إليه النفس؛ لقولهم:{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}.
٣٩ - ومنها هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيَّه وصَفِيَّه يعقوب -عليه السلام-؛ حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة ويحزنه ذلك أشد الحزن؛ فحصل التفريق بينه وبينه مدة طويلة لا تقصر عن ثلاثين سنة، ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه في هذه المدة، {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤)}، ثم ازداد به الأمر شدة حين صار الفراق بينه وبين ابنه الثاني شقيق يوسف، هذا وهو صابر لأمر الله محتسب الأجر من الله قد وعد من نفسه الصبر الجميل.
ولا شك أنه وَفَّى بما وعد به، ولا ينافي ذلك قوله:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}؛ فإن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين.
٤٠ - أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا؛ فإنه لما طال الحزن على يعقوب واشتد به إلى أنهى ما يكون ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب ومسهم الضر- أذن الله حينئذ بالفرج؛ فحصل التلاقي في أشد الأوقات إليه حاجةً واضطرارًا، فتم بذلك الأجر وحصل السرور، وعلم من ذلك أن الله يبتلي