للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال قيس بن أبي حازم -رحمه الله-: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَاضِعًا رَأْسَهُ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ، فَبَكَى فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ؟»، قَالَتْ: رَأَيْتُكَ تَبْكِي فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: " إِنِّي ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فَلَا نَدْرِي أَنَنْجُو مِنْهَا أَمْ لَا؟ " (١)

وقالَ مُجَاهِدٍ -رحمه الله-: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: -فذكر هذه الآية-، قَالَ: «أَمَّا أَنَا وَأَنْتَ فَسَنَرِدُهَا، فَانْظُرْ هَلْ نَصْدُرُ مِنْهَا أَمْ لَا؟» (٢)

وعنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ -رحمه الله- قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، إِذَا الْتَقَوْا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: هَلْ أَتَاكَ أَنَّكَ وَارِدٌ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: هَلْ أَتَاكَ أَنَّكَ خَارِجٌ مِنْهَا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: فَفِيمَ الضَّحِكُ إِذًا؟. (٣).

وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله-: فما أعظم خطرك يا أخي في هذه الصّلاة، وفي غيرها من عملك، وما أولاك بالهمّ والحزن، والخوف والوجل فيها، وفيما سواها ممّا افترض الله عليك، إنك لا تدري: هل يقبل منك صلاةً قط، أم لا؟ ولا تدري: هل يقبل منك حسنةً قط، أم لا؟ وهل غفر لك سيئةً قط، أم لا؟ ثم أنت -مع هذا- تضحك وتغفل، وينفعك العيش، وقد جاءك اليقين: أنّك وارد النّار، ولم يأتك اليقين أنّك صادرٌ عنها، فما أحقّ بطول الحزن منك، حتى يتقبل الله منك؟ ثمّ -مع- هذا لا تدري، لعلّك لا تصبح إذا أمسيت، ولا تمسي إذا أصبحت، فمُبشّرٌ بالجنة، أو مُبشرٌ بالنّار ا. هـ (٤)


(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (١٧٧٩) -ومن طريقه الطبري في «جامع البيان ط هجر» (١٥/ ٥٩٤) والحاكم (٨٧٤٨) - قَالَ: أرنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، به وفي الزهد والرقائق لابن المبارك - ط الأعظمي- (٣٠٩) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٢٨/ ١٠٦) - عَنْ عَبَّادٍ الْمِنْقَرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ قَالَ: لما نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِلَى بَيْتِهِ فَبَكَى، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَبَكَتْ، … » فذكر نحوه. ورواه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام ت السقا (٢/ ٣٧٣)؛ ومن طريقه الطبري في التاريخ (٣/ ٣٧) والطبراني كما في مجمع الزوائد (٦/ ١٥٧) وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (١/ ١١٨) - عن عروة بن الزبير … قال: فَلَمَّا وَدَّعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَنْ وَدَّعَ مِنْ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَكَى، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ يَا بْنَ رَوَاحَةَ؟ … فذكره نحوه.
(٢) رواه الحسين المروزي في زوائده على ابن المبارك في الزهد والرقائق ط الأعظمي (١٤١٨) والطبري في تفسيره ط هجر (١٥/ ٥٩٨) وسنده صحيح.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٧/ ١٨٧) وانظر: «التخويف من النار لابن رجب/ ت بشير عيون» (٢٤٥)
(٤) رسالة "الصلاة" (ص: ١١٢) وانظر: «الجامع لعلوم الإمام أحمد - الفقه» (٥/ ٥١٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>