للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللنسائي «فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ» (١)

وهذه الروايات يفسر بعضها بعضا فمَعْنَى الِاسْتِتَارِ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِهِ سُتْرَةً يَعْنِي لَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ (٢).

وهذا الحديث فيه فائدتان عظيمتان:

الأولى: ما دلَّ عليه الحديث من العذاب الذي يقع لبعض الناس في قبورهم، وأنَّ القبر فيه عذاب كما فيه نعيم، فيجب على الإنسان أن يؤمن بهذا.

والفائدة الثانية: أن هذا العذاب يقع أيضًا على بعض المسلمين وأهل التوحيد وأهل الإيمان؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ثم ذكر عن الأول أنه «كَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ» وذكر عن الثاني أنه «كَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» يعني أنهما من أهل الإسلام ليسا كافرين، ولو كان لهما ذنبٌ أعظمُ من هذين يُعذَّبان عليه لذكره النبي -صلى الله عليه وسلم-. والعلماء مجمعون على هذا.

٣ - ومن الأدلة أنه -صلى الله عليه وسلم- علمنا أن نستعيذ بالله -جل وعلا- من عذاب القبر في أوقات شتى فمنها:

١. دُبُر كل صلاة قبل السلام، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» (٣).

٢. وكذلك بعد السلام: كما في الصحيح عَنْ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الأَوْدِيَّ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ -رضي الله عنه- يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ المُعَلِّمُ الغِلْمَانَ الكِتَابَةَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ


(١) سنن النسائي (٢٠٦٨، ٢٠٦٩)
(٢) فتح الباري لابن حجر (١/ ٣١٨)
(٣) رواه مسلم (٥٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>