للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصراط المجانب للمغضوب عليهم وللضالين من اليهود والنصارى وسائر المشركين والكافرين. والعبد إذا دعا بهذه الدعوة المباركة: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»؛ تعلَّق قلبه بالله، وتذكَّر آية الفاتحة، وهو يدعو في كل صلاة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}

ثم يدعو العبد فيقول: «وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ»، وهي سؤال لله -جل وعلا- أن يرزقك العافية التامة في الدنيا وفي الآخرة، فيعافيك الله في بدنك، ويعافيك الله في سمعك وبصرك، يعافيك الله في مالك، وفي ولدك، يعافيك الله في الدنيا من جميع الشرور، وفي القبر من عذاب القبر ومن فتنته، وفي الآخرة من عذاب جهنم، فيستذكر العبد وهو يرفع أكف الضراعة لله قائلاً: «عَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ»، سائلاً ربه -جل وعلا- هذه العافية التامة.

وقد علَّم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عمه العباس بن عبد المطلب أن يدعو بهذه الدعوات، -والعم صنو الوالد (١) -، فنصح له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: «يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِ اللَّهَ، العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» (٢). وقال له أيضا: «أَكْثِرِ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ» (٣)

وفي سنن الترمذي أن أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه-، قَامَ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ الأَوَّلِ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: «اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ» (٤).

وفي أدعية الصباح والمساء حديث ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا


(١) روى الإمام مسلم (٩٨٣) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عُمَرَ -رضي الله عنه- عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا» ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟»
(٢) أخرجه الترمذي (٣٥١٤)، من حديث العباس -رضي الله عنه-، وحسنه لشواهده الألباني في الصحيحة (٤/ ٢٩).
(٣) أخرجه الحاكم (١٩٣٩)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وحسنه لشواهده الألباني في الصحيحة (١٥٢٣)
(٤) أخرجه الترمذي (٣٨٧٤)، وابن ماجه (٣٨٤٩) وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٣٣٨٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>