فأراد الشيخ البعد عن هؤلاء الأشرار كما أن هذه القرية لا تكفي لتكون مجالًا لدعوته ونشرها فلا بد من بلاد واسعة ومكان رحب فكانت مدينة - العيينة - هي أكبر بلدان نجد وأكثرها سكانًا فقصدها وأميرها يومئذ عثمان بن حمد بن عبد الله بن محمد بن معمر، فاستقبله الأمير بالحفاوة والإِكرام وقبول الدعوة والمناصرة والمؤازرة على دعوته وألزم الخاصة والعامة بامثال أمره وقبول قوله فصار للشيخ زيادة نشاط في القول وصار له نشاط فعلي، فقطع الأشجار المعظمة وكسر الأحجار المقصودة وهدم القباب المشيدة على القبور ومنها القبة المقامة على القبر المنسوب لزيد بن الخطاب - رضي الله عنه - فاشتهر أمره وطارت أخباره وذاع صيته فكثر أتباعه إلا أن المعارضين والمعاندين أكثر من غيرهم فأذاعوا عنه الأكاذيب وأشاعوا عنه البهتان ورموه بالزور، ولا غرابة في ذلك فكل دعوة إصلاحية تصاب بمثل هؤلاء الأعداء ويقف في سبيلها المعاندون والمغرضون والحساد والجاهلون، إلا أن الدعوة في العيينة بلغت المسامع ووعتها القلوب.
[انتقال الشيخ من العيينة إلى الدرعية]
بلغت دعوة الشيخ حاكم الاحساء - سليمان بن محمد بن عرير الحميدي الخالدي - وعظم عنده القصد منها والخوف من عواقبها على سلطانه كما بلغته مشوهة مزورة، فكتب ابن عرير إلى الأمير عثمان بن معمر بإخراج الشيخ من بلده وإن لم يفعل فسيغزونه ويقطع عنه مرتباته الشهرية. فعلم أن لا طاقة له بملك الاحساء ومعاداته فطلب من الشيخ مغادرة بلدته، ولم يصل إلى الشيخ منه أذية ولم يأمر مرافقها إلى الدرعية بقتله كما جاء في بعض نسخ - عنوان المجد - فإن ابن بشر استدرك ذلك وصححه في النسخة الأخيرة التي اطلعت عليها عند أحفاد المؤرخ بالزبير ففيها تكذيب خبر إرادة قتل الشيخ محمد. والقصد أن الشيخ ارتحل من العيينة وولى وجهه إلى الدرعية وهي يومئذٍ قرية يتداول الحكم فيها ذرية الأمير - مانع بن ربيعة المريدي الحنفي - جد الأسرة السعودية الكريمة الحاكمة، وكان الحاكم عند قدوم الشيخ إليها الأمير - محمد بن سعود - فوصل الشيخ إلى الدرعية ونزل ضيفًا على أحد تلاميذه وهو الشيخ - أحمد بيع سويلم العريني - ووصوله