الدرعية كان في عام - ١١٥٨ هـ - فلما استقر فيها وعلم بمقدمة أمير الدرعية - محمد بن سعود - جاءه في دار أحمد بن سويلم، فقابله بالحفاوة والتكريم وقال له أبشر أيها الشيخ بالمنعة والنصرة، فأجابه الشيخ بقوله وأنا أبشرك بالأجر والعز والتمكين والغلبة وكلمة التوحيد من تمسك بها ونصرها أيده الله في الدنيا ومكنه وأجزل أجره في الآخرة، ثم أخذ الشيخ يشرح للأمير حقيقة الإسلام ويبين له أصل التوحيد وأمر ما عليه أهل نجد من الجهل والبدع والشرك. فلما قرر الشيخ للأمير هذه الأمور المهمة وقنع بها الأمير قال لا شك أن ما دعوت إليه أيها الشيخ هو دين الله الصحيح وحقيقة العقيدة وإن ما عليه أهل نجد هو ضلال ولكن أخشى إن نحن أيدناك ونصرناك وجاهدنا معك أن تتركنا إلى غيرنا. كما أن لنا على أهل الدرعية قانونًا نأخذه عليهم وقت حصاد الزروع وقطع الثمار وأخشى أن تحرمه علينا وتمنعنا منه، فأجابه الشيخ عن الأولى بالمعاهدة على البقاء معه مهما امتدت به الأيام وتغيرت الأحوال وعن الثاني بأن الله تعالى سيعوضه عن هذا القانون بما يقبضه من الأموال الشرعية، فتعاقدا وتعاهدا على ذلك، ومن ذلك اليوم أصبحت الدعوة في طور جديد هو طور التنفيذ والجهاد وصارت الكتب ترسل من الشيخ محمد إلى أمراء نجد وعلمائها بالدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه الحق والجيوش تعبث من الدرعية إلى ما يليها من القرى والمدن والبوادي والشيخ من وراء هذا كله يجاهد بلسانه وقلمه وينظم الجيوش ويبعث البعوث مع الإِمام محمد بن سعود فقامت الدعوة على قدم وساق واشتهرت وانتشرت وصار لها كيان ومركز قوى بالدعاة والقوة المادية.
وهذه الدعوة الإِسلامية الإِصلاحية وجدت معارضة ومقاومة شأنها شأن غيرها من الدعوات واشتدت عليها المعارضة والعنف من أمراء نجد وعلمائها وأعيانها واتباعهم من العامّة. فتبودلت القصائد بين شعراء هؤلاء وشعراء هؤلاء كما تبودلت الرسائل العلمية والمصنفات بين الطائفتين من علماء الدعوة وأخصامهم. ومن وراء ذلك كله الجيوش بين آل سعود المؤيدين للدعوة وأمراء بلدان نجد المعارضين المعاندين تسند هؤلاء وهؤلاء قوة، فصار في نجد حركة كبيرة عظيمة شغلت البلدان النجدية وما جاورها من بلاد العرب هذا والدعوة في طورها الأول من حيث الظهور والانتشار والفتوح.