عاد الشيخ محمد من رحلته العلمية إلى نجد فقصد حريملاء لعلمه أن والده فيها، عاد الشيخ من هذه الرحلة وقد علم من أحوال الناس ومعتقداتهم ما أسخطه، كما جالس العلماء في هذه الأمطار وعرف ما عندهم من ضروب الاستقامة والانحراف فزادته هذه الرحلة بصيرة وخبرة وعلمًا وإدراكًا للأمور. ولما حل الشيخ. عند والده في حريملاء استأنف القراءة على والده وصار له أوقات خاصة يطالع فيها كتب التفسير والحديث والأصول وكتب شيخ الإِسلام ابن تيمية ابن القيم فوجد في كتب هذين الإِمامين من العلوم الصحيحة والأقوال المبنية على الكتاب والسنة والتحقيق والأحكام المطابقة للعقل والنقل ما زاده بصيرةٍ وفهمًا وتحقيقًا. وصادف هذا الاطلاع من الشيخ ذهنًا حادًا وفكرًا نيرًا وفهمًا صحيحًا وتحررًا من التقليد وبعدًا عن الجمود وطلبًا للحق في مراجعة الصحيحة ومنابعه الأولى.
كل هذه المؤهلات وتلك المواهب جعلت منه عالمًا متبصرًا وإمامًا متحررًا ووجد عامة الناس يهيمون ويتعبدون بلا علم وعلماءَهم يرددون كتب الفروع متقيدين بمسائلها متمسكين بحرفيتها فأراد لهم الإصلاح فنادى بدعوته في بلدة حريملاء وندد بتلك العادات والعبادات التي ليست على بصيرة وأراد الرجوع بالناس إلى تصحيح العقيدة وخلوص العبادة ونقاوة الدين وصفاء التوحيد فصادف معارضة قوية ومشادة متينة وأذية كبيرة إلا أن هذا لم يثنه عن عزمه ولم يصده عن مقصده ولم يفت في عضده شأن الدعاة المصلحين وما يلقون في سبيل دعوتهم من الاضطهاد. وقد بدأ الشيخ بدعوته في حياة والده فكان والده لا يريد منه الشدة على الناس إلا أن الشيخ مصمم على ما أراد ولكنه لم يجهر بدعوته إلا بعد وفاة والده فجلس للتدريس والإفادة وتقرير العقيدة الصحيحة فتبعه بعض أهل هذه البلدة - حريملاء - ثم اشتهر أمره وذاع صيته وشاع خبره فوفد عليه أناس كثيرون من البلدان المجاورة وشرعوا في القراءة عليه التفسير والحديث والتوحيد والسيرة والفقه فكثر أتباعه قصار ينكر ما يراه مخالفًا للشريعة ومن ذلك أن مَوَلِيًا لرؤساء حريملاء كانوا يفسدون ويفسقون فأراد منعهم من الفساد والتعدي والأذية فهمّ هؤلاء الأوباش بالفتك به وقتله سرًا وتسوروا عليه جدار بيته فعلم بهم الناس