. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هَذَا الْإِلْزَامِ.
وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ لِلْجَاحِظِ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ «اسْتَفْرَغُوا الْوُسْعَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ» ، أَيْ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ بَذَلُوا الْمَجْهُودَ الْمُعْتَبَرَ لِمِثْلِهِمْ فِي مِثْلِ مَطْلُوبِهِمْ، فَكَانُوا مُفَرِّطِينَ مُقَصِّرِينَ، فَكَانَ «إِثْمُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْجِدِّ» وَالِاجْتِهَادِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ، لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْخَطَأِ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ عَانَدَ مَعَ اتِّضَاحِ الْحَقِّ لَهُ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [الْبَقَرَةِ: ١٤٤] وَقَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: ١٤٦] ، فَالْكُفَّارُ إِذَنْ طَائِفَتَانِ: مُعَانِدٌ وَمُقَصِّرٌ فِي الِاجْتِهَادِ، فَعُوقِبُوا لِعِنَادِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَعْذُرُ مَنِ اجْتَهَدَ غَايَةَ وُسْعِهِ فَلَمْ يُدْرِكْ وَخَلَا عَنِ الْعِنَادِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ.
قُلْتُ: وَمُنْذُ خَطَرَ لِي هَذَا الِاعْتِذَارُ عَنِ الْجَاحِظِ، كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي قُوَّتُهُ، وَإِلَى الْآنِ وَالْجُمْهُورُ مُصِرُّونَ عَلَى الْخِلَافِ، وَلَا يَتَمَشَّى لَهُمْ حَالٌ إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِ الْمُحَالِ لِغَيْرِهِ، وَتُسَاعِدُهُمْ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ، نَحْوَ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: ٢٧] ، فَتَوَعَّدَهُمْ بِالنَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَلَمْ يَعْذُرْهُمْ بِالْخَطَأِ، وَعَلَى الْآيَةِ اعْتِرَاضَاتٌ لَا تَخْفَى.
وَبِالْجُمْلَةِ؛ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ الْجَاحِظِ، وَالْعَقْلُ مَائِلٌ إِلَى مَذْهَبِهِ، «وَقَوْلُهُ - عَلَى كُلِّ حَالٍ - مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَهُ حُجَّةً» كَمَا هُوَ مَذْهَبُ النَّظَّامِ، أَوْ يَمْنَعَ كَوْنَهُ قَاطِعًا مُطْلَقًا، أَوْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْقَطْعِيَّاتِ، «فَلَا يَلْزَمُهُ» حُكْمُ إِجْمَاعِهِمْ، أَوْ يَقُولُ: إِنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ بِدُونِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute