الْجَاحِظُ: الْإِثْمُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ قَبِيحٌ، لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْآرَاءِ، وَاعْتِوَارِ الشُّبَهِ وَعَدَمِ الْقَوَاطِعِ الْجَوَازِمِ. وَيَلْزَمُهُ رَفْعُ الْإِثْمِ عَنْ مُنْكِرِي الصَّانِعِ وَالْبَعْثِ وَالنُّبُوَّاتِ، وَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ قَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا} إِذِ اجْتِهَادُهُمْ أَدَّاهُمْ إِلَى ذَلِكَ.
وَلَهُ مَنْعُ أَنَّهُمُ اسْتَفْرَغُوا الْوُسْعَ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فَأَثَّمَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْجِدِّ، لَا عَلَى الْخَطَأِ، وَقَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ كَوْنَهُ حُجَّةً كَالنَّظَّامِ، أَوْ قَطْعِيَّتُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَقَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ بَاطِلٌ لِبُطْلَانِ مَبْنَاهُ.
ــ
قَوْلُهُ: «الْجَاحِظُ» ، أَيِ: احْتَجَّ الْجَاحِظُ عَلَى التَّصْوِيبِ مُطْلَقًا، بِأَنَّ، تَأْثِيمَ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ فِي الِاجْتِهَادِ قَبِيحٌ، إِذْ هُوَ مُفْضٍ إِلَى تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، «لَا سِيَّمَا مَعَ كَثْرَةِ الْآرَاءِ» وَالْمَذَاهِبِ، وَالْمَقَالَاتِ فِي الْعَالَمِ «وَاعْتِوَارِ الشُّبَهِ» ، أَيْ: تَوَارُدِهَا عَلَى الْقُلُوبِ، وَ «عَدَمِ» الْأَدِلَّةِ «الْقَوَاطِعِ، الْجَوَازِمِ» عَلَى الْمَطَالِبِ، فَإِنَّ التَّأْثِيمَ يَزْدَادُ قُبْحًا مَعَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: «وَيَلْزَمُهُ» هَذَا إِلْزَامٌ أَلْزَمَ النَّاسَ الْجَاحِظُ بِهِ عَلَى مَقَالَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَهُ «رَفْعُ الْإِثْمِ» وَالْوَعِيدِ «عَنْ» كُلِّ كَافِرٍ؛ مِنْ «مُنْكِرِي الصَّانِعِ، وَالْبَعْثِ وَالنُّبُوَّاتِ، وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ قَالُوا» : {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزُّمَرِ: ٣] ، لِأَنَّ اجْتِهَادَهُمْ هُوَ الَّذِي «أَدَّاهُمْ إِلَى ذَلِكَ» .
قَوْلُهُ: «وَلَهُ مَنْعُ أَنَّهُمُ اسْتَفْرَغُوا» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا الِاعْتِذَارُ لِلْجَاحِظِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute