لما استوثق أمر أردشير بن بابك وجمع ملوك الطوائف وتمّ له ملكه، جمع الناس فخطبهم خطبة حضّ فيها على الألفة والطاعة، وحذّرهم المعصية ومفارقة الجماعة، وصفّ الناس أربعة صفوف؛ فخرّوا له سجّدا، وتكلّم متكلّمهم فقال:
لازلت أيها الملك محبوّا من الله تعالى بعزّ النصر، ودرك الأمل، ودوام العافية، وتمام النّعمة، وحسن المزيد، ولازلت تتابع لديك المكرمات، وتشفع إليك الذمامات «١» حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالها، وتصل إلى دار القرار التي أعدّها الله تعالى لنظرائك من أهل الزّلفى عنده والمكانة منه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاء الشمس والقمر، زائدين زيادة النجوم والأنهار، حتى تستوى أقطار الأرض كلها في علوّ قدرك عليها، ونفاذ أمرك فيها، فقد أشرق علينا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الصبح، ووصل إلينا من عظيم رأفتك ما اتّصل بأنفسنا اتصال النسيم؛ فأصبحت قد جمع الله بك الآيدى بعد افتراقها، وألّف القلوب بعد توقد نيرانها، ففضلك الذى لا يدرك بوصف، ولا يحدّ بنعت.
فقال أردشير: طوبى للمدوح إذا كان للمدح مستحقّا، وللداعى إذا كان للاجابة أهلا.
وقيل لأردشير: أيّها الملك الرفيع الذى حلب العصور، وجرّب الدّهور، أى الكنوز أعظم قدرا؟ قال: العلم الذى خفّ محمله، فثقلت مفارقته، وكثرت مرافقته، وخفى مكانه، فأمن من السّرق عليه؛ فهو في الملأ جمال، وفي الوحدة أنيس، يرأّس به الخسيس، ولا يمكن حاسدك عليه انتقاله عنك.
قيل له: فالمال؟ قال: ليس كذلك. محمله ثقيل، والهمّ به طويل؛ إن كنت فى ملأ شغلك الفكر فيه، وإن كنت في خلّوة أتعبتك حراسته.