نسخة لم تحرّر بصواب؛ لأنه ليس أحد أولى بالأناة وبالرويّة من كاتب يعرض عقله، وينشر بلاغته؛ فينبغى له أن يعمل النسخ ويرويها، ويقبل عفو القريحة ولا يستكرهها، ويعمل على أن جميع الناس أعداء له، عارفون بكتابه، منتقدون عليه، متفرغون إليه.
وقال آخر: إنّ لابتداء الكلام فتنة تروق، وجدة تعجب، فإذا سكنت القريحة، وعدل التأمّل، وصفت النّفس، فليعد النظر، وليكن فرحه بإحسانه، مساويا لغمّه بإساءته؛ فقد قالت الخوارج لعبد الله بن وهب الراسبى: نبايعك الساعة فقد رأينا ذلك، فقال: دعوا الرأى حتى يبلغ أناته، فإنه لا خير في الرأى الفطير، والكلام القضيب «١» .
وقال معاوية بن أبى سفيان رحمه الله لعبد الله بن جعفر: ما عندك في كذا وكذا؟ فقال: أريد أن أصقل عقلى بنومة القائلة «٢» ، ثم أروح فأقول بعد ما عندى قال الشاعر:
إن الحديث تغرّ القوم جلوته ... حتى يغيّره بالوزن مضمار «٣»
فعند ذلك تستكفى بلاغته ... أو يستمرّ به عىّ وإكثار
وقالوا: كل مجر بالخلاء يسرّ «٤» ، وقال أبو الطيب المتنبى:
وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطّعن وحده والنّزالا
وكان قلم بن المقفع يقف كثيرا، فقيل له في ذلك، فقال: إن الكلام يزدحم فى صدرى، فيقف قلمى ليتخيّر.