لو قال الغاصب: الآن أنا خلطت البر بالشعير، والبر الذي خلطته خمسة أصواع، وأنا أعطيك أيها المالك عشرة أصواع، فهل يجبر المالك أو لا؟ يقولون: لا يجبر، بل يقال: خَلِّص البر ولو دفع أكثر من مثله.
وهذا في الحقيقة من جهة قد نقول: إنه قول جيد؛ لأن في ذلك ردعاً للغاصبين، فإذا علم الغاصب أنه سوف يضمن إلى هذا الحد فإنه لا يغصب، وإن نظرنا إلى أن فيه إضراراً، وقد قال النبي ﷺ:«لا ضرر ولا ضرار»(١) قلنا: هنا يتوجه القول بأن المغصوب منه يجبر على قبول مثل بره الذي غُصِب، ويعد البر الآن كالتالف، وإذا أتلف شخص براً ضمنه بمثله، فالمسألة فيها تردد، وحينئذٍ ننظر ـ في مسألة القضاء والحكم بين الغاصب والمغصوب منه ـ إلى المصلحة، فإذا رأى القاضي أن من المصلحة أن يُلزِم الغاصِبَ بتخليص مال المغصوب منه فليفعل، وإن رأى العكس فلا حرج؛ لأن المضارة في هذا واضحة.
قوله:«ولا يُجبر من أبى قلع الصِّبغ» من الذي يأبى، هل هو الغاصب أو المغصوب منه؟ لا ندري هل المغصوب الصبغ، أو المغصوب الثوب؟ على كل حال سواء هذا أو هذا، إذا قيل: اقلع الصبغ، فلا يمكن هذا؛ لأن الصبغ بعد أن صار في الثوب صار من جنس الصفة ولا يمكن فصله عن الموصوف، وكيف يمكن أن يقلعه؟! لا يمكن، اللهم إلا أن يجعل في الماء ثم يخرج الماء ملوناً بلون هذا الصبغ، ويعود الثوب على ما كان عليه،