على عذابِهِ صار في ذلك فضيحة عظيمة له، ففي سَتْرِه رَحْمةٌ مِن الله بالميِّت.
ثالثاً: أنه قد يَصعُب على الإنسان دَفْنُ الميِّت؛ كما صَحَّ عن النبيِّ ﵊:«لولا ألاَّ تدافنوا؛ لسألتُ اللَّهَ أن يسمِعَكم مِن عذاب القبر الذي أسمعُ منه»(١).
رابعاً: أنَّ في ذلك إزعاجاً لأهله وذويه، وربما عُيِّرُوا بذلك وأُهينُوا.
خامساً: لو كان العذاب ظاهراً لم يكن للإيمان به مزيَّة، لأنه يكون مشاهداً، وهو من أمور الغيب التي يُثنى على مَنْ آمن بها، ثم إنَّه قد يحمِلُ النَّاسَ على أن يؤمنوا كلهم؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [غافر: ٨٤] فلو رأى النَّاسُ هؤلاء المدفونين وسمعوهم يتصارخون لآمنوا وما كفر أحد، لأنه أيقن بالعذاب عين اليقين، فكأنه نزل به فلم يكن للإيمان به فائدة. وحِكَمُ الله ﷾ عظيمة والإنسان المؤمن حقيقة هو الذي يجزمُ بخبر الله أكثر مما يجزمُ بما شاهده بعينه، لأن خَبَرَ الله ﷿ لا يتطرَّقُ إليه احتمال الوهم ولا الكذب، وما تراه بعينك يمكن أن تتوهمه.
فكم مِن إنسان شَهِدَ أنَّه رأى الهلالَ؛ وإذا هي نجمة. وكم مِن إنسان شَهِدَ أنه رأى الهلال؛ وإذا هي شعرة بيضاء على حاجبه، وهذا وَهْمٌ، وكم مِن إنسان يرى شَبَحاً ويقول: هذا
(١) أخرجه مسلم، كتاب الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (٢٨٦٧) (٦٧).