ذلك معن بن زائدة وهو باليمن، فأرسل إليه بجراب خطر فيه ألف دينار وكتب إليه: اختضب بالخطر وانتفع بالنخالة.
«٧١٣» - كان معن بن زائدة قد أبلى مع يزيد بن عمر بن هبيرة بلاء شديدا، فطلبه المنصور وبذل مالا لمن جاء به، فاضطر لشدة الطلب إلى أن أقام في الشمس حتى لوّحت وجهه، وخفّف عارضه ولحيته، ولبس جبة صوف غليظة، وركب جملا ثفالا، وخرج عليه ليمضي إلى البادية فيقيم بها؛ قال معن: فلما خرجت من باب حرب تبعني أسود متقلّد سيفا حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض علي فقلت: مالك؟
فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت له: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين؟
قال: دع هذا فأنا أعرف بك منك، قال معن فقلت له: يا هذا أتّق الله فيّ فان كانت القصة كما تقول فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاءه بي، فخذه ولا تسفك دمي، فقال: هاته، فأخرجته فنظر إليه ساعة وقال: صدقت في قيمته ولست قابله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك، فقلت: قل، فقال: إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت قطّ مالك كلّه؟ قلت: لا، قال: فنصفه؟ قلت: لا، قال:
فثلثه؟ قلت: لا، حتى بلغ العشر، فاستحييت وقلت: أظنّ أني قد فعلت ذلك، فقال: ما ذاك بعظيم، أنا والله رزقي من أبي جعفر عشرون درهما، وهذا الجوهر قيمته آلاف الدنانير قد وهبته لك، ووهبتك لنفسك ولجودك المأثور بين الناس، ولتعلم أنّ في الدنيا أجود منك فلا تعجبك نفسك، ولتحقر بعدها كلّ شيء تفعله، ولا تتوقف عن مكرمة، ثم رمى بالجوهر في حجري وخلّى خطام البعير وانصرف، فقلت له: يا هذا قد والله فضحتني، ولسفك