حريصًا على العدل بكل ممكن وافر العلم، فقيه النفس، ظاهر الذكاء والفهم، أوَّاهًا منيبًا قانتًا لله حنيفًا زاهدًا مع الخلافة، تأمل هذه الكلمة -زاهدًا مع الخلافة- يعني: أن الدنيا أتته، ومع ذلك زهد فيه -رحمه الله- ناطقًا بالحق -مع قلة المعين وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملوه، وكرهوا محاققته لهم ونقصه أعطياتهم، وأخذه كثيرًا مما في أيديهم مما أخذوه بغير حق- وعد عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين، والعلماء العاملين.
وهذه كلمات جميلة فيها ثناء حسن على هذا الخليفة الإمام العادل الزاهد -رحمه الله تبارك وتعالى- ومن أدبه وخلقه ما ذكره عنه ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- وهو أنه دخل عليه ناس من الحرورية -الحرورية: هم الخوارج- فذاكروه شيئًا، فأشار إليه بعض جلسائه أن يُرْعِبَهُمْ وأن يتغير عليهم؛ لأنه إمام وخليفة، وَمُمَكَّنٌ في الأرض، فلم يَزَلْ عمر بن عبد العزيز يرفق بهم حتى أخذ عليهم وَرَضَوْا منه أن يرزقهم ويكسوهم ما بقي، فخرجوا على ذلك؛ فلما خرجوا ضرب عمر ركبة رجل يليه من أصحابه، فقال: يا فلان -تأملوا هذه الكلمة فهي تعد في الحقيقة حكمة- إذا قدرت على دواء تشفي به صاحبك، دون الكيِّ، فلا تَكْوِيَنَّهُ أبدًا.
وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- عن نفسه: ما كذبتُ كذبة منذ شددت علي إزاري. وقد اجتمع بنو مروان ذات يوم، فقالوا: لو دخلنا على أمير المؤمنين، فَعَطَّفْنَاهُ علينا، وَأَذْكَرْنَاهُ أرحامنا؛ لأنهم كانوا يودون أن يوسع عليهم أكثر من غيرهم، قال: فدخلوا فتكلم رجل منهم، فمزح، فنظر إليه عمر، فوصل له رجل كلامه بالمزاح، فقال عمر: لهذا اجتمعتم؟! لأخس الحديث ولما يورث الضغائن؟! إذا اجتمعتم فأفيضوا في كتاب الله؛ فإن تعديتم فعليكم بمعالي الحديث.