للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستقلة، كما أن لكلٍّ منهما حقيقة لُغوية مستقلة، وغاية ما يُقال أنهما متلازمان في الوجود لا مترادفان في الحقيقة والمعنى، ولقوة ارتباط كلٍّ منهما بالآخر فإنه إذ وُجِدَ أحدهما منفردًا في نصٍّ من النصوص لا يمكننا أن نتصوره وحده، فيكون الآخر داخلًا فيه على سبيل التلازم والارتباط، وتحقيق الهدف المراد من كلٍّ منهما مجتمعين.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- هذه الوجه بقوله: إذا قيل: إن الإسلام والإيمان التام متلازمان لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روحٌ إلا مع البدن، ولا يوجد بدنٌ حيٌّ إلا مع الروح، وليس أحدهما الآخر، فالإيمان كالروح فإنه قائمٌ بالروح ومتصلٌ بالبدن، والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حيًّا إلا مع الروح، بمعنى أنهما متلازمان لا أن مسمى أحدهما هو الآخر، وإسلام المنافقين كبدن الميت جسدٌ بلا روح، فما من بدنٍ حيٍّ إلا وفيه روح، ولكن الأرواح متنوعة، وهذه في الحقيقة كلام دقيق، وهذا الرأي هو الإسلام والأوجه -إن شاء الله تبارك وتعالى- وذلك لأن النصوص تدل عليه دلالة واضحة، إلى جانب أن القول به يُعتبر جمعًا بين الآراء التي تقدم ذكرها.

ولا شك أن الإيمان والإسلام كما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بينهما من الترابط ومن التلازم الشيء الكثير، ولكن في الحقيقة يفترقان في الاسم، فإذا جمعنا بين الإسلام والإيمان في كلمة واحدة قلنا: الإسلام والإيمان، فسرنا الإسلام بما فسره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث جبريل، وفسرنا الإيمان أيضًا بما فسره أو ذكره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث جبريل، وإذا افترقا بمعنى قلنا: الإسلام فقط، أو قلنا: الإيمان فقط دخل أحدهما في الآخر؛ لأنه لا يُتصور إيمانٌ بلا إسلام، ولا إسلامٌ بلا إيمان،

<<  <   >  >>