فجعل ذلك كله دينًا، وما بيّن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لوفد عبد القيس من الإيمان -وقد ذكرت هذا سابقًا- وهو أنه قال لهم:((آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟)) ثم ذكر -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم أركان الإسلام، فبين ذلك أن الإسلام والإيمان يطلقان على شيءٍ واحدٍ.
هكذا ذهب الإمام البخاري -رحمه الله تبارك وتعالى- ومحصل كلامه كما ذكره ابن حجر في (فتح الباري): أن المصنف يرى أن الإيمان والإسلام عبارة عن معنًى واحدٍ، هذا عند الإمام البخاري وغيره -رحمه الله تبارك وتعالى.
القول الثاني: التفريق بين مسمى الإسلام، والإيمان، وأن الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، وهذا قول جماعة من السلف منهم الزهري وحماد بن زيد، ورواية عن الإمام أحمد -رحمه الله تبارك وتعالى- كما ذكر ابن منده عن عبد الملك الميموني قال: سألت أحمد بن حنبل أتفرق بين الإيمان والإسلام؟ قال: نعم، وقال بهذا جماعة من الصحابة والتابعين منهم عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، والحسن، ومحمد بن سيرين.
القول الثالث: وهو تحقيق مذهب السلف الذي تجتمع عليه النصوص الواردة في هذا الموضوع، وهو الرأي الراجح -إن شاء الله تبارك وتعالى- وهو أن بين الإسلام والإيمان تلازمًا مع افتراق اسميهما، وأن حال اقتران الإسلام بالإيمان غير حال إفراد أحدهما عن الآخر، فمثل الإسلام من الإيمان كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى، فشهادة الرسالة غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم كشيءٍ واحدٍ، كذلك الإسلام والإيمان لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له؛ إذ لا يخلو المؤمن من إسلامٍ به يتحقق إيمانه، ولا يخلو المسلم من إيمانٍ به يصح إسلامه، وهذا في الحقيقة معنًى صحيح وسليم؛ لأن لكلٍّ الإيمان والإسلام حقيقة شرعية