للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر.

فإن الحقيقتين إذا تماثلتا جاز على كل واحدة ما يجوز على الأخرى، ووجب لها ما وجب لها، وامتنع عليها ما امتنع عليها فيلزم أن يجوز على الخالق القديم الواجب بنفسه ما يجوز على المحدَث المخلوق من العدم والحاجة، وأن يثبت لهذا ما يثبت لذاك من الوجوب والغنى، فيكون الشيء الواحد واجبًا بنفسه غير واجب بنفسه، موجودًا معدومًا، وذلك جمع بين النقيضين.

وهذا مما يعلم به بطلان قول المشبهة الذين يقولون: بصر كبصري، ويد كيدي ونحو ذلك، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.

الشرح

فالله -عز وجل- موصوف بكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، منزه عن جميع النقائص والعيوب، فمن الطرق التي استخدمها أهل السنة والجماعة في تقرير هذه الحقيقة، مسلك عقلي يقوم على أن نفي الصفة إثبات لنقيضها، وهذه قاعدة عقلية متفق عليها بين جميع العقلاء، أن الذي لا يتصف بالعلم مثلاً فهو جاهل، والذي لا يتصف بالعدل فهو ظالم، وهكذا فالله -عز وجل- لما كان متصفاً بكل أنواع الكمالات التي يُتصور وجودها من غير استلزامها لأي نقصٍ بوجهٍ من الوجوه، فإن نفي هذا الكمال عنه يستلزم وصفه بنقيضه من النقص الذي هو منزه عنه أصالةً، ((وهذه الطريقة هي من أعظم الطرق في إثبات الصفات، وكان السلف يحتجون بها، ويثبتون أن من عبد إلهاً لا يسمع، ولا يبصر، ولا يتكلم، فقد عبد رباً ناقصاً معيباً مؤوفاً (١)، ويثبتون أن هذه صفات كمال فالخالي عنها ناقص)) (٢).


(١) مؤوفاً، من الآفة وهي العاهة، انظر: القاموس المحيط ص (١٠٢٦).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (٢/ ٣٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>