الأمر الرابع: طرق التنزيه كثيرة لا يقتصر فيها على نفي التشبيه والتجسيم مع ما فيها من التناقض والقصور.
وزعمت طائفة من أهل الكلام كأبي المعالي والرازي، والآمدي وغيرهم أن ذلك لا يعلم إلا بالسمع الذي هو الإجماع، وإن نفي الآفات والنقائص عنه لم يعلم إلا بالإجماع، وجعلوا الطريق التي بها نفوا عنه ما نفوه، إنما هو نفي مسمى الجسم ونحو ذلك، وخالفوا ما كان عليه شيوخ متكلمة الصفاتية، كالأشعري، والقاضي، وأبى بكر وأبي إسحاق، ومن قبلهم من السلف والأئمة، في إثبات السمع والبصر والكلام له بالأدلة العقلية، وتنزيهه عن النقائص بالأدلة العقلية.
ولهذا صار هؤلاء يعتمدون في إثبات هذه الصفات على مجرد السمع، ويقولون: إذا كنا نثبت هذه الصفات بناءً على نفي الآفات، ونفي الآفات إنما يكون بالإجماع الذي هو دليل سمعي، والإجماع إنما يثبت بأدلة سمعية من الكتاب والسنة، قالوا: والنصوص المثبتة للسمع والبصر والكلام: أعظم من الآيات الدالة على كون الإجماع حجة، فالاعتماد في إثباتها ابتداء على الدليل السمعي الذي هو القرآن أولى وأحْرَى.
والذي اعتمدوا عليه في النفي، من نفي مسمى التحيز ونحوه مع أنه بدعة في الشرع لم يأت به كتاب ولا سنة، ولا أثر عن أحد من الصحابة والتابعين هو متناقض في العقل، لا يستقيم في العقل؛ فإنه ما من أحد ينفي شيئًا خوفًا من كون ذلك يستلزم أن يكون الموصوف به جسمًا، إلا قيل له فيما أثبته نظير ما قاله فيما نفاه، وقيل له فيما نفاه نظير ما يقوله فيما أثبته، كالمعتزلة لما أثبتوا أنه حي عليم قدير؛ وقالوا: إنه لا يوصف بالحياة، والعلم، والقدرة، والصفات؛ لأن هذه أعراض لا يوصف بها إلا ما هو جسم، ولا يعقل موصوف إلا جسم.