= وأكبر. وهذا باطل، مخالف للكتاب والسنة، وللعقل. ويقتضي أيضاً أنه إنما عرف عظمة الرب بتعظيم العرش المخلوق وقد جعل العرش أعظم منه. فما عظم الرب إلا بالمقايسة بمخلوق وهو أعظم من الرب. وهذا معنى فاسد، مخالف لما علم من الكتاب والسنة والعقل. فإن طريقة القرآن في ذلك أن يبين عظمة الرب، فإنه أعظم من كل ما يعلم عظمته. فيذكر عظمة المخلوقات ويبين أن الرب أعظم منها. كما في الحديث الآخر الذي في سنن أبي داود، والترمذي، وغيرهما (حديث الأطيط) لما قال الأعرابي: "إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله تعالى، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال: "ويحك! أتدري ما تقول؟ أتدري ما الله؟ شأن الله أعظم من ذلك. إن عرشه على سمواته هكذا" -وقال بيده مثل القبة- "وإنه ليأط به أطيط الرحل الجديد براكبه". فبين عظمة العرش، وأنه فوق السموات مثل القبة. ثم بين تصاغره لعظمة الله، وأنه يأط به أطيط الرحل الجديد براكبه، فهذا فيه تعظيم العرش، وفيه أن الرب أعظم من ذلك كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتعجبون من غيرة سعد! لأنا أغير منه، والله أغير مني". وقال: "لا أحد أغير من الله. من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن". ومثل هذا كثير. وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي، وأنه ذكر عظمة العرش، وأنه مع هذه العظمة فالرب مستوٍ عليه كله لا يفضل منه قدر أربعة أصابع. وهذه غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء الإنسان، كما يقدر في الميزان قدره فيقال: (ما في السماء قدر كف سحاباً). فإن الناس يقدرون الممسوح بالباع والذراع، وأصغر ما عندهم الكف. فإذا أرادوا نفي القليل والكثير قدروا به، فقالوا: (ما في السماء قدر كف سحاباً)، كما يقولون في النفي العام {إِنَّ الله لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَةٍ} و {لَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير}، ونحو ذلك. فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يفضل من العرش شيء ولا هذا القدر اليسير الذي هو أيسر ما يقدر به وهو أربعة أصابع. وهذا معنى صحيح موافق للغة العرب، وموافق لما دل عليه الكتاب والسنة، موافق لطريقة بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، له شواهد. فهو الذي يجزم بأنه في الحديث. ومن قال: (ما يفضل إلا مقدار أربع أصابع) فما فهموا هذا المعنى، فظنوا أنه استثنى، فاستثنوا، فغلطوا. وإنما هو توكيد للنفي وتحقيق للنفي العام. وإلا فأي حكمة في كون العرش يبقى منه قدر أربع أصابع خالية، وتلك الأصابع أصابع من الناس، والمفهوم من هذا أصابع الإنسان. فما بال هذا القدر اليسير لم يستو الرب عليه؟. والعرش صغير في عظمة الله تعالى. وقد جاء حديث رواه ابن أبي حاتم في قوله {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام الآية: ١٠٣ [لمعناه شواهد تدل على هذا فينبغي أن نعتبر الحديث، فنطابق بين الكتاب والسنة. فهذا هذا والله أعلم. قال حدثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام الآية: ١٠٣]، قال: "لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا، صفوا صفاً واحداً ما أحاطوا بالله أبداً". وهذا له شواهد، مثل ما في الصحاح في تفسير قوله تعالى {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر الآية ٦٧].، قال ابن عباس: "ما السموات السبع والأراضون السبع ومن فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم". ومعلوم أن العرش لا يبلغ هذا، فإن له حملة وله حول. قال تعالى {اَلذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} ". اهـ. مجموع الفتاوى (١٦/ ٤٣٤ - ٤٣٩). وانظر المسألة كذلك في منهاج السنة (٢/ ٦٢٨ - ٦٣١).