للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: في قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص الآية: ٧٥]، عدى الفعل بالباء إلى اليدين، فكان سبحانه هو الخالق وكان خلقه بيديه، كقولنا: كتبت بالقلم، فالكاتب هو الفاعل والقلم هو الذي حصلت به الكتابة، ولم يقل: "لما خلقت يدي"، ولو قال ذلك لكان كقوله: {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس. الآية: ٧١]. "

الوجه الثالث: في قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص الآية: ٧٥]، ذكر نفسه بصيغة المفرد في ياء المتكلم، وفي قوله: {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس. الآية: ٧١ [ذكر نفسه بالجمع في ضمير المتكلم المفرد المعظم نفسه (نا).

الوجه الرابع: في قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص الآية: ٧٥]، ذكر اليدين بصيغة التثنية، وهذا صريح في إرادة الحقيقة فإن الله يذكر ذاته بالإفراد تارة، وبالجمع أخرى للتعظيم كقوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح الآية: ١]، ونحوها، ولا يذكر ذاته بالتثنية المضافة إلى الضمير ألبتة لأن التثنية لا تستخدم إلا في حقيقة العدد كقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة الآية: ٦٤].

قال الإمام الدارمي: "فلما قال الله عز وجل: {خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص الآية: ٧٥]، استحال فيهما كل معنى إلا اليدين كما قال العلماء الذين نقلنا عنهم" (١).

وأما قوله: {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس. الآية: ٧١ [فذكر اليد بصيغة الجمع وكذلك نفسه بصيغة الجمع فأصبح نظير قوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١٤ [والجمع مثل الإفراد لا يدلان على العدد، وإن دلا على أصل الصفة كقوله: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك الآية: ١ [و {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران الآية: ٢٦].

ولو قال: "خلقت يدي" بالإضافة إلى المفرد لكان مفارقًا لقوله: {عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس. الآية: ٧١ [لوجود الباء الدالة على مباشرة الخلق باليدين، فكيف وقد ذكرها بصيغة


(١) نقض عثمان بن سعيد على المريسي العنيد: ١/ ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>