للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى غيبا عنا لم نحط به ولم ندركه، وقد ذكر لنا سبحانه، كثيرا من أسمائه وصفاته لنتعبد بها فإنا نعتبر الغائب بالمشاهد وإن كنا نؤمن أن ما أخبرنا الله تعالي به عن نفسه سبحانه لم يدرك العباد مثله الموافق له في الحقيقة من كل وجه، لكن في مفرداته ما يشبه مفرداتهم من بعض الوجوه (١).

ويتبين هذا بأن في معارفنا أموراً لم تخرج من أذهاننا، وإنما هي باقية فيها بالمعنى الكلي لها، وإذا خوطبنا بوصف ما غاب عنا لم نفهم ما قيل لنا إلا بمعرفة المشهود لنا، فلولا أننا رأينا الناس وأدركنا الأمور الحسية كالجوع والعطش لم نفهم ما يقال لنا في هذه الأمور، لولا أننا رأيناها وأدركناها ووقع لنا ما يشابهها، وكل خطاب يحمل معان لا يمكن فهمها إلا أن يعرف عينها أو ما يناسب عينها، ويكون بينهما قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى وإلا فلا يحصل للخطاب مقصود البتة «لأن القصد بالإخبار والوصف تعريف المخاطبين، والمخاطبون لا يعرفون الخصوصيات التي هي خصوص ذات الله وصفاته، فلو أخبروا بذلك وحده مجرداً لم يعرفوا شيئا، بل ربما أنكروا ذلك، فإذا خوطبوا بالمعاني المشتركة وأزيل مفسدة الاشتراك بما يقطع التماثل بقي المخاطبون أحد رجلين … » (٢).

ومن هنا قرر شيخ الإسلام رحمه الله أنه لابد فيما شهدناه وما غاب عنا من قدر مشترك هو مسمى اللفظ المتواطئ، فبهذه الموافقة والمشاركة المشابهة والمواطأة نفهم الغائب ونثبته، وهذه خاصة العقل، ولولا ذلك لم نعلم ما نحسه ولم نعلم أمورا عامة ولا أمورا غائبة عن إحساسنا الباطن والظاهر، ولهذا من لم يحس الشيء ولا نظيره لم يعرف حقيقته.


(١) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية: ٥/ ٢٥١ - ٢٥٢.
(٢) مجموع الفتاوى لابن تيمية: ٢/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>