قال ابن القيم: "فإن العبد ينال ما قدر له بالسبب الذي أقدر عليه ومكن منه وهيئ له فإذا أتى بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبق له في أم الكتاب وكلما زاد اجتهادا في تحصيل السبب كان حصول المقدور أدنى إليه.
وهذا كما إذا قدر له أن يكون من أعلم أهل زمانه فإنه لا ينال ذلك إلا بالاجتهاد والحرص على التعلم وأسبابه.
وإذا قدر له أن يرزق الولد لم ينل ذلك إلا بالنكاح أو التسري والوطء.
وإذا قدر له أن يستغل من أرضه من المغل كذا وكذا لم ينله إلا بالبذر وفعل أسباب الزرع.
وإذا قدر الشبع والري فذلك موقوف على الأسباب المحصلة لذلك من الأكل والشرب واللبس.
وهذا شأن أمور المعاش والمعاد فمن عطل العمل اتكالا على القدر السابق فهو بمنزلة من عطل الأكل والشرب والحركة في المعاش وسائر أسبابه اتكالا على ما قدر له.
وقد فطر الله سبحانه عباده على الحرص على الأسباب التي بها مرام معاشهم ومصالحهم الدنيوية بل فطر الله على ذلك سائر الحيوانات، فهكذا الأسباب التي بها مصالحهم الأخروية في معادهم فإنه سبحانه رب الدنيا والآخرة وهو الحكيم بما نصه من الأسباب في المعاش والمعاد وقد يسر كلا من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة فهو مهيأ له ميسر له.
فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد