مواضع قوتها أو ضعفها، فماذا إذن يستطيع حين يتناول إحدى تلك الفكر الملقاة كأعراض بمفترق الطرقات؟
ألا ليت للحكيم قدرة على الانفعال والتأثير؟! ألا ليت له قدرة شاعر كشيللي على اقتناص الصور وإيقاع الشعر، أو قدرة "شو" على نفث الحياة والإمعان في الواقع؟! ألا ليت له قلبا وخيالا يعدلان عقله؟!
ولقد كان الحكيم يستطيع -وقد عز الانفعال وعز الخيال- أن يخفف من طغيان التفكير بشيء من "الهيومر" على نحو ما رأينا أحد كتابنا الموهوبين يسمى عصارة قلبه الساخر "حصاد الهشيم" و"قبض الريح". وأما الحرص على الخلود والجهر بالرغبة فيه والتصبب عرقا في الجري وراءه، فأشبه ما يكون "ببراميل الدناييد" التي لا قاع لها. والخلود كالمرأة الجملية، الخلود كالحياة لا بد من التحفظ معه والبعد عنه وعدم التكالب عليه لنظفر به، وبهذا وحده نستطيع أن نسيطر على ما بأيدينا وأن نقوى على مواجهته في غير ما ضعف ولا تهافت. والسيطرة قوام الخلود. السيطرة على المادة التي نصوغها.
وبعد، فقد كنت أخشى أن تظل مرامي الكاتب مختفية في ضباب الأسطورة وخلف رموزها؛ ولذلك حاولت أن أودي ما أراه واجبا على كل ناقد، فاتجه جهدي إلى تقريبها من القراء وربط الشخصيات بعضها ببعض، وإيضاح المعاني التي قد تفلت من القارئ البادئ.
ولقد تفضل الأستاذ الحكيم فأهداني كتابه، فلم أجد ردا للتحية خيرا من أن أقربه لقرائه الكثيرين المعجبين، وأما ما بسطت من رأي يتجه إلى نوع من الأدب يخالف منحى بجماليون فقد كان الإيمان رائده.