الْجَهْمِيَّةُ مِنْ التَّكْذِيبِ بِمُوجِبِهَا وَتَعْطِيلِ صِفَاتِ الرَّبِّ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِتَعْطِيلِ ذَاتِهِ وَتَكْذِيبِ رَسُولِهِ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَمَا صَنَّفُوهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكُتُبِ وَبَوَّبُوهُ أَبْوَابًا مُبْتَدَعَةً يَرُدُّونَ بِهَا مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَيُخَالِفُونَ بِهَا صَرَائِحَ الْمَعْقُولِ وَصَحَائِحَ الْمَنْقُولِ.
وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى تَبْلِيغَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَمَرَ بِبَيَانِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْمُخَاطَبَةِ تَارَةً وَبِالْمُكَاتَبَةِ أُخْرَى، لِمَاذَا كَانَ الْمُبْتَدِعُونَ قَدْ وَضَعُوا الْإِلْحَادَ فِي كُتُبٍ فَإِنْ لَمْ يُكْتَبْ الْعِلْمُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ فِي كُتُبٍ لَمْ يَظْهَرْ إلْحَادُ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْصُلْ تَمَامُ الْبَيَانِ وَالتَّبْلِيغِ وَلَمْ يَعْلَمْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ الْمُخَالِفِ لِأَقْوَالِ الْمُلْحِدِينَ الْمُحَرِّفِينَ وَكَانَ جَمْعُ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ أَهَمَّ مِنْ جَمْعِ غَيْرِهِ. الثَّانِيَ عَشَرَ: إنَّ أَبَا الْمَعَالِي وَأَمْثَالَهُ يَضَعُونَ كُتُبَ الْكَلَامِ الَّذِي تَلَقَّوْا أُصُولَهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَيُبَوِّبُونَ أَبْوَابًا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَيَتَكَلَّمُونَ فِيهَا بِمَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يُصَنِّفُ وَيُؤَلِّفُ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ؟ وَالْأُصُولُ الَّتِي يُقَرِّرُهَا هِيَ أُصُولُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ فِي الصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالْإِرْجَاءِ، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي أَتْبَاعِهِ كَالْمُدَّعِي الْمَغْرِبِيِّ فِي مُرْشِدَتِهِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ يَقُولُونَ بِقَوْلِ جَهْمٍ أَيْ يَمِيلُونَ إلَى الْجَبْرِ، وَفِي الْإِرْجَاءِ بِقَوْلِ جَهْمٍ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ، وَأَمَّا فِي الصِّفَاتِ فَهُمْ يُخَالِفُونَ جَهْمًا وَالْمُعْتَزِلَةَ، فَهُمْ يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ جَهْمٌ وَالْمُعْتَزِلَةُ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ نَفْيُ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَعْتَقِدُوهُ، وَهَؤُلَاءِ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ إثْبَاتُ صِفَاتٍ بِلَا ذَاتٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا ذَلِكَ وَيَقْصِدُوهُ، وَلِهَذَا هُمْ مُتَنَاقِضُونَ لَكِنْ هُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِهَذَا إذَا حُقِّقَ قَوْلُهُمْ لِأَهْلِ الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ يَقُولُ أَحَدُهُمْ فَيَكُونُ اللَّهُ شَبَحًا وَشَبَحُهُ خَيَالُ الْجِسْمِ مِثْلُ مَا يَكُونُ مِنْ ظِلِّهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ هُوَ عَرَضٌ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ وَصَفَ الرَّبَّ بِهَذِهِ الْأُسْلُوبِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ، وَنَحْوِهِ، فَلَا يَكُونُ اللَّهُ عَلَى قَوْلِهِ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ مَوْجُودًا بَلْ يَكُونُ كَالْخَيَالِ الَّذِي يَشْبَحُهُ الذِّهْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَيَالُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُنَزِّهُونَ الرَّبَّ بِنَفْيِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute