بِمُخَالِفٍ بَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِذَلِكَ أَنْ يَفْتِنَهُ ذَلِكَ وَلَا يَحْمِلَهُ عَقْلُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا مِنْ رَجُلٍ يُحَدِّثُ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلَّا كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضِهِمْ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَتْرُكُ رِوَايَةَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ لِكَوْنِهِ لَا يَأْخُذُ بِهَا وَلَمْ يَتْرُكْهَا غَيْرُهُ فَلَهُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبٌ، فَغَايَةُ مَا يُعْتَذَرُ لِمَالِكٍ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ كَرِهَ التَّحَدُّثَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا فَهَذَا مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ قَالَهُ فَقَدْ حَدَّثَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَنْ هُمْ أَجَلُّ مِنْ مَالِكٍ عِنْدَ نَفْسِهِ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهَا نُظَرَاؤُهُ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَالثَّوْرِيُّ أَعْلَمُ مِنْ مَالِكٍ بِالْحَدِيثِ وَأَحْفَظُهُ لَهُ، وَهُوَ أَقَلُّ غَلَطًا فِيهِ مِنْ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ مَالِكٌ يُنَقِّي مَنْ يُحَدِّثُ عَنْهُ، وَأَمَّا اللَّيْثُ فَقَدْ قَالَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ: كَانَ أَفْقَهَ مِنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ ضَيَّعُوهُ.
فَفِي الْجُمْلَةِ: هَذَا كَلَامٌ فِي حَدِيثٍ مَخْصُوصٍ، أَمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَئِمَّةَ أَعْرَضُوا عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُطْلَقًا فَهَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
الْعَاشِرُ: إنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ كَانُوا كُلُّهُمْ مُثْبِتِينَ لِمُوجِبِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الصِّفَاتِ مُطْبِقِينَ عَلَى ذَمِّ الْكَلَامِ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ أَبُو الْمَعَالِي أُصُولَ دِينِهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ بِقِيَامِ الْأَعْرَاضِ بِهَا حَتَّى إنَّ شَيْخَهُ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ ذَكَرَ اتِّفَاقَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعَهُمْ وَسَلَفَ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّهَا أَصْلُ الْإِيمَانِ وَبِهَا وَبِنَحْوِهَا عَارَضَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ، وَقَدْ كَتَبْنَا كَلَامَ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ تَلْبِيسُ الْجَهْمِيَّةِ فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِمْ الْكَلَامِيَّةِ ". لَمَّا اسْتَدَلَّ الرَّازِيّ بِالْحَرَكَةِ عَلَى حُدُوثِ مَا قَامَتْ بِهِ فِي إثْبَاتِ حُجَّتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ التَّحَيُّزِ عِنْدَهُمْ، وَلَكِنْ عِلْمُهُ بِحَالِهِمْ كَعِلْمِهِ بِمَذْهَبِهِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ إمْرَارُ حُرُوفِهَا مَعَ نَفْيِ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الصِّفَاتِ، فَهَذَا الضَّلَالُ فِي مَعْرِفَةِ رَأْيِهِمْ، كَذَلِكَ الضَّلَالُ فِي مَعْرِفَةِ رِوَايَتِهِمْ وَقَوْلِهِمْ فِي شَيْئَيْنِ: فِي الْكَلَامِ الَّذِي كَانَ يَنْتَحِلُهُ، وَفِي النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ عَنْ الرَّسُولِ فَقَدْ حَرَّفُوا مَذْهَبَ الْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ كَمَا حَرَّفُوا نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
الْحَادِي عَشَرَ: إنَّ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُمْ جَمْعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَتَبْوِيبَهَا مَا أَحْدَثَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute