للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِسْمِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُمْ مَعَ هَذَا النَّفْيِ إذَا نَفَوْا الْجِسْمَ وَمَلَازِيمَهُ، وَقَالُوا لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ فَيَعْلَمُ أَهْلُ الْعُقُولِ أَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ مَوْجُودًا، بَلْ يُقَالُ هَذَا الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ شَبَحٌ أَيْ خَيَالٌ كَالْخَيَالِ الَّذِي هُوَ ظِلُّ الْأَشْخَاصِ، وَكَالْخِيَالِ الَّذِي فِي الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ.

ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْخَيَالَ وَالْمِثَالَ وَالشَّبَحَ يَسْتَلْزِمُ حَقِيقَةً مَوْجُودَةً قَائِمَةً بِالنَّفْسِ فَإِنَّ خَيَالَ الشَّخْصِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ مُدَبِّرٍ خَالِقٍ لِلْعَالَمِ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَيَصِفُونَهُ مِنْ السَّلْبِ بِمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ خَيَالًا فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ مُسْتَلْزِمًا لِوُجُودِهِ وَلِعَدَمِهِ مَعًا فَإِذَا تَكَلَّمُوا بِالسَّلْبِ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْخَيَالُ، وَيَصِفُونَ ذَلِكَ الْخَيَالَ بِالثُّبُوتِ فَيَكُونُ الْخَيَالُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْمَوْجُودِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ.

الثَّالِثَ عَشَرَ: إنَّ مَعْرِفَةَ أَبِي الْمَعَالِي وَذَوِيهِ بِحَالِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى إمَامَتِهِمْ لَا يَكُونُ أَعْظَمَ عَنْ مَعْرِفَتِهِمْ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، بِنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ رَأَيْت أَبَا الْمَعَالِي فِي ضِمْنِ كَلَامِهِ يَذْكُرُ مَا ظَاهِرُهُ الِاعْتِذَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَبَاطِنُهُ جَهْلٌ بِحَالِهِمْ مُسْتَلْزِمٌ إذَا اطَّرَدَ الزَّنْدَقَةَ وَالنِّفَاقَ، فَإِنَّهُ أَخَذَ يَعْتَذِرُ عَنْ كَوْنِ الصَّحَابَةِ لَمْ يُمَهِّدُوا أُصُولَ الدِّينِ وَلَمْ يُقَرِّرُوا قَوَاعِدَهُ فَقَالَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِالْجِهَادِ وَالْقِتَالِ عَنْ ذَلِكَ.

هَذَا مِمَّا فِي كَلَامِهِ، وَهَذَا إنَّمَا قَالُوهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُصُولَ وَالْقَوَاعِدَ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا أُصُولُ الدِّينِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَقُولُوهَا وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهَا أُصُولٌ صَحِيحَةٌ وَأَنَّ الدِّينَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا، وَلِلصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَيْضًا مِنْ الْعَظَمَةِ فِي الْقُلُوبِ مَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُهُ حَتَّى يَصِيرُوا بِمَنْزِلَةِ الرَّافِضَةِ الْقَادِحِينَ فِي الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ أَخَذُوا مِنْ الرَّفْضِ شُعْبَةً كَمَا أَخَذُوا مِنْ التَّجَهُّمِ شُعْبَةً، وَذَلِكَ دُونَ مَا أَخَذَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ الرَّفْضِ وَالتَّجَهُّمِ حِينَ غَلَبَ عَلَى الرَّافِضَةِ التَّجَهُّمُ وَانْتَقَلَتْ عَنْ التَّجْسِيمِ إلَى التَّعْطِيلِ وَالتَّجَهُّمِ إذْ كَانَ هَؤُلَاءِ نَسَجُوا عَلَى مِنْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ لَكِنْ كَانُوا أَصْلَحَ مِنْهُمْ وَأَقْرَبَ إلَى السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْإِثْبَاتِ فِي أُصُولِ الْكَلَامِ.

وَلِهَذَا كَانَ الْمَغَارِبَةُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ابْنَ التُّومَرْتِ الْمُتَّبِعَ لِأَبِي الْمَعَالِي أَمْثَلَ وَأَقْرَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>