للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِافْتِرَاقُ) وَهُوَ لَمْ يُثْبِتْ حُدُوثَهَا إلَّا بِقَبُولِهَا الْعَدَمَ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُهُ لَمْ يُعْلَمْ حُدُوثُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ جَوَازُ تَفَرُّقِ كُلِّ الْأَجْسَامِ مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي أَنَّ مَا ثَبَتَ عَدَمُهُ امْتَنَعَ قِدَمُهُ فِيهَا كَلَامٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامُ فِي مَسْأَلَةِ حُلُولِ الْحَوَادِثِ الَّتِي جَعَلَتْهَا الْجَهْمِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَصْلًا عَظِيمًا فِي تَعْطِيلِ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: ٢٩] وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ فَاعِلًا يَفْعَلُ وَحَالُهُ قَبْلَ الْفِعْلِ وَبَعْدُ سَوَاءٌ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ فِعْلُ نَفْسِهِ هُوَ فِي الْمَعْقُولِ أَبْعَدُ مِنْ كَوْنِ السَّاكِنِ الَّذِي سُكُونُهُ قَدِيمٌ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَحَرَّكَ لِأَنَّ السُّكُونَ الْقَدِيمَ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ وَلَوْ عَرَضَ عَلَى الْعَقْلِ الصَّحِيحِ جَوَازُ أَنْ يُبْدِعَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فِعْلٌ أَصْلًا وَجَوَازُ أَنْ يَفْعَلَ وَيَكُونَ فِعْلُهُ فِي نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ تَارِكًا لَكَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى عَقْلِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا الثَّانِي مَعْقُولٌ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مَعْقُولٍ.

وَبِهَذَا اسْتَطَالَتْ عَلَيْهِمْ الدَّهْرِيَّةُ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا حُدُوثَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ وَمَضْمُونُ عُمُومِ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ ادَّعَوْا حُدُوثَ كُلِّ مَوْجُودٍ لَكِنْ لَمْ يَقْصِدُوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ وَالدَّهْرِيَّةُ ادَّعَوْا قِدَمَ السَّمَوَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ بَاطِلٌ أَيْضًا لَكِنْ صَارَ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يُعَارِضُ الْآخَرَ بِحُجَجٍ تُبْطِلُ حُجَجَ نَفْسِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ فَتَكُونُ حُجَّتُهُمْ بَاطِلَةً فَيُمْكِنُ إبْطَالُهَا، وَلِهَذَا كَانَ غَالِبُ أَئِمَّتِهِمْ يَقُولُونَ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِهَا وَيَصِيرُونَ فِيهَا إلَى الْوَقْفِ وَالْحَيْرَةِ، ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ قَدْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْقَوْلِ بِهَذَا الْحُدُوثِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِنِفَاقِهِمْ وَزَنْدَقَتِهِمْ وَذَلِكَ بَاطِلٌ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَصْلِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ أَحَدُ شُيُوخِ الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ فَرِحَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ بِمُوَافَقَتِهِ وَمُوَافَقَةِ أَبِي عِيسَى الْوَرَّاقِ لَهُمْ عَلَى إثْبَاتِ كَلَامِ النَّفْسِ وَمَعَ هَذَا فَلَهُ كِتَابٌ مَشْهُورٌ سَمَّاهُ (كِتَابُ التَّاجِ) فِي قِدَمِ الْعَالَمِ.

وَذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ وَهُوَ (مَفْصُولٌ) ذَكَرَ عِلَلَ الْمُلْحِدِينَ وَالدَّهْرِيِّينَ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ فِي قِدَمِ الْعَالَمِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِكِتَابِ التَّاجِ وَهُوَ الَّذِي نَصَرَ فِيهِ الْقَوْلَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>