تَعَرِّي الْجَوَاهِرِ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ إذْ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إمْكَانُ قِيَامِ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الْأَعْرَاضِ بِكُلِّ جَوْهَرٍ، الثَّانِيَةُ أَنَّ الْقَابِلَ لِشَيْءٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَمِنْ ضِدِّهِ وَأَنْتَ لَمْ تَذْكُرْ حُجَّةً عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَايَةُ مَا ذَكَرْت أَنَّك أَثْبَتّ الْأَكْوَانَ الَّتِي هِيَ الِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ فَقَطْ وَأَنَّك ادَّعَيْت تَنَاقُضَ الْمُعْتَزِلَةَ حَيْثُ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا قَبْلَ الِاتِّصَافِ وَبَعْدَهُ وَحَيْثُ إنَّهُمْ إذَا جَوَّزُوا خُلُوَّ الْجَوْهَرِ عَنْ بَعْضِ الْحَوَادِثِ مَعَ قَبُولِهِ بَطَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِذَاتِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ قَبُولِ الْبَارِي لِلْحَوَادِثِ فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ تَنَاقُضِ الْمُعْتَزِلَةَ وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِالرَّبِّ فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ إلَّا هَذِهِ الْحُجَّةَ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْجَوْهَرُ الْعَرَضَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ ثُمَّ هَذِهِ الدَّعْوَى لَمْ تَذْكُرْ أَنْتَ أَيْضًا عَلَيْهَا حُجَّةً أَصْلًا فَقَدْ أَقْرَرْت بِأَنَّ قَوْلَ أَصْحَابِك وَقَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ قَبُولِ الْحَوَادِثِ قَوْلٌ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا فَأَيْنَ الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فِي ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ قَاطِعًا وَهَذَا إذَا تَدَبَّرَهُ الْعَاقِلُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْقَوْمَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي الْأَكْوَانِ كَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ فَيُقَالُ هَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ مَا كَانَ قَابِلًا أَنْ يَكُونَ مُجْتَمِعًا وَأَنْ يَكُونَ مُفْتَرِقًا لَكِنْ هَذَا لَا عُمُومَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَالْأَعْرَاضِ وَغَايَتُهُ أَنْ يُثْبِتَ نَظِيرَهُ فِي الرَّبِّ فَيَقُولَ إذَا كَانَتْ ذَاتُهُ قَابِلَةً لِلِاجْتِمَاعِ أَوْ الِافْتِرَاقِ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجْتَمِعًا أَوْ مُفْتَرِقًا فَالْمُنَازِعُ لَك إنْ لَمْ يُسَلِّمْ قَبُولَهُ لِهَذَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لَا يُسَلِّمَ قَبُولَهُ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ كَمَا تَقُولُهُ أَنْتَ وَإِنْ سَلَّمَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ وَالصَّمَدُ أَصْلُهُ الْمُجْتَمِعُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ اجْتِمَاعُهُ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَهُوَ مِنْ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لَهُ الَّتِي لَا يَجُوزُ عَدَمُهَا وَلَيْسَ مِنْ الْحَوَادِثِ فَصِفَاتُ الْجَوْهَرِ الْمَخْلُوقَةِ تَقْبَلُ الزَّوَالَ إذْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْبَقَاءُ بِخِلَافِ صِفَاتِ اللَّهِ الْوَاجِبَةِ لَهُ كَمَا أَنَّ ذَوَاتِ الْجَوْهَرِ الْمَخْلُوقَةِ تَقْبَلُ الْعَدَمَ وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ بِنَفْسِهِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى حُدُوثِ الْجَوَاهِرِ أَيْضًا كَمَا لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِالرَّبِّ فَإِنَّ دَلِيلَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْبَعِ مُقَدِّمَاتٍ ثُبُوتِ الْأَعْرَاضِ وَثُبُوتِ أَنَّهَا جَمِيعًا حَادِثَةٌ وَأَنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَخْلُو مِنْهَا وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ حَوَادِثُ لَا أَوَّلَ لَهَا وَهُوَ لَمْ يُثْبِتْ مِنْ الْأَعْرَاضِ اللَّازِمَةِ لِلْجَوَاهِرِ إلَّا الْأَكْوَانَ (الِاجْتِمَاعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute