قِيلَ إنَّ الْأَشْعَرِيَّ فِي آخِرِ عُمْرِهِ أَقَرَّ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ بِالرَّازِيِّ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ حُدُوثِ الْأَجْسَامِ يَذْكُرُ أَدِلَّةَ الطَّائِفَتَيْنِ وَيُصَرِّحُ فِي آخِرِ كُتُبِهِ وَآخِرِ عُمْرِهِ وَهُوَ كِتَابُ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ بِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَحَارَاتِ الْعُقُولِ وَلِهَذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَتْبَاعِهِمْ الشَّكَّ وَالِارْتِيَابَ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا حَدَّثَنِي مِمَّنْ حَدَّثَهُ ابْنُ بَادَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْخِسْرُوشَاهِي وَهُوَ أَحَدُ تَلَامِذَةِ ابْنِ الْخَطِيبِ الَّذِي قَدِمَ إلَى الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَخَذَهُ الْمَلِكُ النَّاصِرُ صَاحِبُ الْكَرْكِ إلَى عِنْدِهِ وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ حَتَّى قِيلَ إنَّهُ حَصَلَ لَهُ اضْطِرَابٌ فِي الْإِيمَانِ مِنْ جِهَتِهِ وَجِهَةِ أَمْثَالِهِ. قَالَ: دَخَلْت عَلَيْهِ بِدِمَشْقَ فَقَالَ لِي يَا فُلَانُ مَا تَعْتَقِدُ. قُلْت: أَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ وَأَنْتَ جَازِمٌ بِذَلِكَ وَصَدْرُك مُنْشَرِحٌ لَهُ قُلْت نَعَمْ قَالَ فَبَكَى بُكَاءً عَظِيمًا أَظُنُّهُ قَالَ لَكِنَّنِي وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ لَكِنَّنِي وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ لَكِنَّنِي وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَعْتَقِدُ.
وَحَدَّثَنِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ عَنْ مُؤَذِّنِ الْكَرْكِ قَالَ صَعِدْت لَيْلَةً بِوَقْتٍ فَسَبَّحْت فِي الْمَنَارَةِ ثُمَّ نَزَلْت وَالْخَسَر وَشَاهِيّ سَاهِرٌ مَعَ السُّلْطَانِ يَتَحَدَّثَانِ فَقَالَ إلَى السَّاعَةِ أَنْتَ تُسَبِّحُ فِي الْمَنَارَةِ فَقُلْت نَعَمْ فَقَالَ بِتّ تُنَاجِي الرَّحْمَنَ وَبِتّ أُنَاجِي الشَّيْطَانَ وَأَيْضًا فَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ تَصُدُّهُمْ عَنْ طَرْدِ الدَّلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ تَجَدُّدُ أَحْكَامٍ لِلذَّاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْحُدُوثِ لَمْ يَبْعُدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اعْتِوَارِ الْأَعْرَاضِ عَلَى الذَّاتِ يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي تَجَدُّدِ حُكْمِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ الْمَوْجُودَاتِ كَحَالِهِ قَبْلَ وُجُودِهَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ أَوْ لَا يَكُونُ فَإِنْ كَانَ حَالُهُ قَبْلُ كَحَالِهِ بَعْدُ أَوْ هُوَ قَبْلُ لَمْ يَكُنْ يَسْمَعُ شَيْئًا وَلَا يَرَاهُ فَكَذَلِكَ بَعْدُ لِاسْتِوَاءِ الْحَالَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُ حَالِهِ قَبْلُ فَهَذَا قَوْلٌ بِتَجَدُّدِ الْأَحْوَالِ وَالْحَوَادِثِ وَلَا حِيلَةَ فِي ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ فَأَمْكَنَ الْمُفَرِّقُ أَنْ يَقُولَ حَالُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَعْلُومِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْإِلْزَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ وَالْتَزَمَ قَوْلَ الْكَرَّامِيَّةِ بَعْدَ أَنْ أَجَابَ بِجَوَابٍ لَيْسَ بِذَاكَ فَإِنَّ الْمُخَالِفَ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُتَعَلِّقٍ وَهُوَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلْعَالَمِ قَبْلَ وُجُودِهِ إذْ هُمْ لَا يُثْبِتُونَ أَمْرًا فِي ذَاتِ اللَّهِ بِهِ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ بَلْ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute