مَقْصُودَهُ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ يَتِمُّ بِالْأَكْوَانِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ خُلُوَّهَا عَنْ الْأَكْوَانِ وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَهُ فِي ذَلِكَ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِحُجَّتَيْنِ إلْزَامِيَّتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا حُجَّةٌ عِلْمِيَّةٌ إحْدَاهُمَا مَا سَلَّمُوهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْخُلُوِّ بَعْدَ قِيَامِ الْعَرَضِ وَسَوَّى بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَقَالَ إذَا جَازَ أَنْ يَخْلُوَ قَبْلَ قِيَامِ الْعَرَضِ عَنْ الضِّدَّيْنِ جَازَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ إنْ كَانَتْ هَذِهِ التَّسْوِيَةُ بَاطِلَةً ثَبَتَ الْفَرْقُ وَبَطَلَ قَوْلُك وَإِنْ كَانَتْ التَّسْوِيَةُ صَحِيحَةً لَزِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا جَوَازُ الْخُلُوِّ قَبْلُ وَبَعْدُ أَوْ امْتِنَاعُ الْخُلُوِّ قَبْلُ وَبَعْدُ لَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَمُوَافَقَةُ الْمُنَازِعِ لَك عَلَى امْتِنَاعِ الْخُلُوِّ بَعْدُ لَا يُفِيدُك أَنْتَ عِلْمًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَك وَلَا لَهُ حُجَّةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ يُعْلَمُ بِهَا امْتِنَاعُ الْخُلُوِّ فِيمَا بَعْدُ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ مَا قَبْلُ وَلَيْسَ مَعَك فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَإِ إذْ ذَاكَ إجْمَاعُ الْمُؤْمِنِينَ.
وَطَائِفَةُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى خَطَأٍ إذَا أَكْثَرُ الْأُمَّةِ يُخَطِّئُهُمْ كُلَّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى عَدَمِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ غَرَضُنَا الْكَلَامَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ قَوْلُهُ فِي النُّكْتَةِ الثَّانِيَةِ الدَّالُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِذَاتِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ عَنْهَا وَذَلِكَ يَقْضِي بِحُدُوثِهِ فَإِذَا جَوَّزَ الْخَصْمُ عُرُوَّ الْجَوْهَرِ عَنْ الْحَوَادِثِ مَعَ قَبُولِهِ لَهَا صِحَّةً وَجَوَازًا فَلَا يَسْتَقِيمُ مَعَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ قَبُولِ الْبَارِي لِلْحَوَادِثِ.
فَيُقَالُ لَك: أَنْتَ قَدْ ذَكَرْت أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أُصُولِهِمْ الِاحْتِجَاجُ عَلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ لَا تَقُومُ بِذَاتِ الْبَارِي مَعَ تَجْوِيزِهِمْ خُلُوَّ الْجَوَاهِرِ عَنْ الْأَعْرَاضِ وَمَعَ قَضَائِهِمْ بِتَجَدُّدِ أَحْكَامِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمَّا أَنْتَ وَأَصْحَابُك فَلَمْ تَذْكُرُوا حُجَّةً عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ خُلُوُّ الْجَوَاهِرِ عَنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَعْرَاضِ وَلَا أَقَمْتُمْ حُجَّةً عَلَى أَنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَمِنْ ضِدِّهِ وَلَا أَقَمْتُمْ حُجَّةً عَلَى اسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ بَلْ أَنْتَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوَادِثِ جَعَلْت الدَّلِيلَ الْقَاطِعَ الَّذِي تَحْتَجُّ بِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَابِهِ مِثْلُهُ هُوَ قَوْلُك أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْحَوَادِثَ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْجَوَاهِرِ حَيْثُ قَضَيْنَا بِاسْتِحَالَةِ تَعَرِّيهَا عَنْ الْأَعْرَاضِ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ لَمْ يَسْبِقْهَا وَيَنْسَاقُ ذَلِكَ إلَى الْحُكْمِ بِحُدُوثِ الصَّانِعِ فَيُقَالُ لَهُ قَوْلُك لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ إحَالَةً عَلَى مَا مَضَى وَأَنْتَ لَمْ تُقَرِّرْ فِيمَا مَضَى أَنَّ مَا قَبْلَ الشَّيْءِ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ وَلَا قَرَّرْت أَنَّ كُلَّ جَوْهَرٍ قَبِلَ عَرَضًا يَسْتَحِيلُ خُلُوُّهُ عَنْهُ وَلَا قَرَّرْت أَيْضًا اسْتِحَالَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute