وَقَطَعَ عَنْهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَمَعَ الْفِعْلِ وَأَنَّهَا بَعْضُ الْمُسْتَطِيعِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَاضٌ مُجْتَمَعَةٌ، وَكَذَلِكَ الْجِسْمُ أَعْرَاضٌ مُجْتَمَعَةٌ مِنْ لَوْنٍ وَطَعْمٍ وَرَائِحَةٍ وَحَرَارَةٍ وَبُرُودَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَنَّ الْأَعْرَاضَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَنْقَلِبَ أَجْسَامًا، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ حَفْصٌ الْفَرْدُ وَغَيْرُهُ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَفْعَلُ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالْعُمْقَ وَأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَاضُ الْجِسْمِ.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصَمُّ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ الْأَصَمُّ أُسْتَاذُ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ الَّذِي كَانَ يُنَاظِرُ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ الْأَصَمُّ لَا أُثْبِتُ إلَّا الْجِسْمَ الطَّوِيلَ الْعَرِيضَ الْعَمِيقَ وَلَمْ يُثْبِتْ حَرَكَةَ غَيْرِ الْجِسْمِ وَلَا يُثْبِتُ سُكُونًا غَيْرَهُ وَلَا قِيَامًا غَيْرَهُ وَلَا قُعُودًا غَيْرَهُ وَلَا اجْتِمَاعًا غَيْرَهُ وَلَا حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا وَلَا لَوْنًا وَلَا صَوْتًا وَلَا طَعْمًا غَيْرَهُ وَلَا رَائِحَةً. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فَأَمَّا بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَصَمَّ قَدْ عَلِمَ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونَ وَالْأَلْوَانَ ضَرُورَةً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا غَيْرُ الْجِسْمِ فَإِنَّهُ يَحْكِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُثْبِتُ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ وَسَائِرَ الْأَفْعَالِ وَغَيْرَ الْجِسْمِ، وَلَا يَحْكِي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُثْبِتُ حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا وَلَا قِيَامًا وَلَا قُعُودًا وَلَا اجْتِمَاعًا وَلَا افْتِرَاقًا عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي سَائِرِ الْأَعْرَاضِ.
قُلْت: هَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا ثَابِتَةٌ لَكِنْ لَيْسَتْ غَيْرَ الْجِسْمِ هُوَ الَّذِي قَدْ يَقُولُهُ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ، فَأَمَّا نَفْيُ وُجُودِهَا فَهُوَ سَفْسَطَةٌ مِنْ جِنْسِ نَفْيِ الْجِسْمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ غَيْرِ هَذَا مِثْلَ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ الْحَرَكَاتُ وَسَائِرُ الْأَفْعَالِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَسَائِرِ مَا يُثْبِتُ الْمُثْبِتُونَ أَعْرَاضًا أَنَّهَا صِفَاتُ الْأَجْسَامِ لَا هِيَ الْأَجْسَامُ وَلَا غَيْرُهَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِأَجْسَامٍ فَيَقَعُ عَلَيْهَا التَّغَايُرُ. قَالَ وَقَدْ حُكِيَ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَمَا حَكَيْنَا عَنْ هِشَامٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُثْبِتُ أَعْرَاضًا غَيْرَ الْأَجْسَامِ وَحُكِيَ عَنْ هِشَامٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَزْعُمُ أَنَّ صِفَاتِ الْإِنْسَانِ أَشْيَاءُ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ هِيَ الْأَجْسَامُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّهَا مَعَانٍ وَلَيْسَتْ بِأَشْيَاءَ.
قُلْت: وَهِشَامٌ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي صِفَاتِ اللَّهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ وَطَرَدَ الْقَوْلَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَدَفَعَ بِذَلِكَ مَا كَانَتْ الْمُعْتَزِلَةُ تُورِدُهُ عَلَى الصِّفَاتِيَّةِ مِنْ التَّنَاقُضِ، قَالَ: وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ أَبُو الْهُذَيْلِ وَهِشَامٌ وَبِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَجَعْفَرُ بْنُ حَرْبٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute