للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يَبْتَدِئُهُ فَإِنْ كَانَ اللَّهُ ابْتَدَأَهُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَإِنْ كَانَ فِعْلَ الطَّبِيعَةِ فَهُوَ لَا خَالِقٌ وَلَا مَخْلُوقٌ، قَالَ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِلَابٍ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِلَابٍ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِهِ وَإِنَّهُ قَدِيمٌ بِكَلَامِهِ. وَإِنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ بِهِ. كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ قَائِمٌ بِهِ. وَالْقُدْرَةَ قَائِمَةٌ بِهِ. وَهُوَ قَدِيمٌ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَإِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ، وَلَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَغَايَرُ. وَإِنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّ الرَّسْمَ هُوَ الْحُرُوفُ الْمُتَغَايِرَةُ دُونَ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ.

وَإِنَّهُ خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ كَلَامُ اللَّهِ هُوَ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ أَوْ غَيْرُهُ، وَإِنَّ الْعِبَارَاتِ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى تَخْتَلِفُ وَتَتَغَايَرُ وَكَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُخْتَلِفٍ وَلَا مُتَغَايِرٍ كَمَا أَنَّ ذِكْرَنَا اللَّهَ يَخْتَلِفُ وَيَتَغَايَرُ وَالْمَدْلُولُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَغَايَرُ.

وَإِنَّمَا سُمِّيَ كَلَامُ اللَّهِ عَرَبِيًّا لِأَنَّ الرَّسْمَ الَّذِي هُوَ الْعِبَارَةُ عَنْهُ وَهُوَ قِرَاءَتُهُ عَرَبِيٌّ فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا لِعِلَّةٍ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ عِبْرَانِيَّا لِعِلَّةٍ وَهِيَ أَنَّ الرَّسْمَ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ عِبْرَانِيٌّ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ أَمْرًا لِعِلَّةٍ وَنَهْيًا وَخَبَرًا لِعِلَّةٍ وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى كَلَامُهُ أَمْرًا قَبْلَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا يُسَمَّى كَلَامُهُ أَمْرًا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَسْمِيَةِ كَلَامِهِ نَهْيًا وَخَبَرًا، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ لَمْ يَزَلْ مُخْبِرًا أَوْ لَمْ يَزَلْ نَاهِيًا وَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا إلَّا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كُنْ مَخْلُوقًا قَالَ: وَزَعَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِلَابٍ أَنَّ مَا يَسْمَعُ النَّاسَ يَتْلُونَهُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ وَأَنَّ مُوسَى سَمِعَ اللَّهَ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِهِ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] مَعْنَاهُ حَتَّى يَفْهَمَ كَلَامَ اللَّهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ حَتَّى يَسْمَعَ التَّالِينَ يَتْلُونَهُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَنْكَرَ خَلْقَ الْقُرْآنِ إنَّ الْقُرْآنَ قَدْ يُكْتَبُ وَيُسْمَعُ وَإِنَّهُ مُتَغَايِرٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ غَيْرُ الْقُدْرَةِ وَالْقُدْرَةُ غَيْرُ الْعِلْمِ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيَّرَ صِفَاتِهِ وَصِفَاتُهُ مُتَغَايِرَةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُتَغَايِرٍ قَالَ.

وَقَدْ حُكِيَ عَنْ صَاحِبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّهُ قَالَ: بَعْضُ الْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَمَا كَانَ مِنْهُ مَخْلُوقًا فَمِثْلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَخْبَارُ عَنْ أَفْعَالِهِمْ قَالَ وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْكَلَامَ غَيْرُ مُحْدَثٍ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ بِهِ مُتَكَلِّمًا وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ وَأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ الْكَثِيرَةَ لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا بِهَا وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: أَنَّ نِصْفَ الْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَنِصْفُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَحَكَى بَعْضُ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>