للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ مُحْدَثٌ، وَمَقْصُودُهُمْ مَقْصُودُ الَّذِينَ قَالُوا هُوَ مَخْلُوقٌ فَيُوَافِقُونَهُمْ فِي الْمَعْنَى وَيَسْتَتِرُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَمْتَنِعُونَ عَنْ نَفْيِ الْخَلْقِ عَنْهُ، وَكَانَ إمَامُ الْوَاقِفَةِ فِي زَمَنِ أَحْمَدَ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ تِلْمِيذُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ تُرْسُ الْجَهْمِيَّةِ، وَلِهَذَا حَكَى أَهْلُ الْمَقَالَاتِ عَنْهُ ذَلِكَ.

قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ " الْقَوْلُ فِي الْقُرْآنِ " قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَأَكْثَرُ الزَّيْدِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ الرَّافِضَةِ: " إنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْقُرْآنَ صِفَةٌ لِلَّهِ لَا يُقَالُ مَخْلُوقٌ وَلَا أَنَّهُ خَالِقٌ هَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْهُ وَزَادَ الثَّلْجِيُّ فِي الْحِكَايَةِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقَالُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَيْضًا كَمَا لَا يُقَالُ مَخْلُوقٌ لِأَنَّ الصِّفَاتِ لَا تُوصَفُ. وَحَكَى زُرْقَانُ عَنْهُ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى ضَرْبَيْنِ إنْ كُنْت تُرِيدُ الْمَسْمُوعَ فَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ الصَّوْتَ الْمُقَطَّعَ وَهُوَ رَسْمُ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَفِعْلُ اللَّهِ، مِثْلُ الْعِلْمِ وَالْحَرَكَةِ مِنْهُ لَا هُوَ هُوَ وَلَا هُوَ غَيْرُهُ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْوَاقِفَةِ: إنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَإِنَّهُ مُحْدَثٌ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَبِاَللَّهِ كَانَ وَهُوَ الَّذِي أَحْدَثَهُ وَامْتَنَعُوا مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ. أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَقَالَ زُهَيْرٌ: أَلَا يَرَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُحْدَثٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّهُ يُوجَدُ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَفَقِّهِينَ كَانَ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ، وَيَقُولُ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُحْدَثٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، قَالَ وَهَذَا قَوْلُ دَاوُد الْأَصْبَهَانِيِّ، وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ التُّومُنِيُّ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ حَدَثَ وَلَيْسَ بِمُحْدَثٍ وَفُعِلَ لَيْسَ بِمَفْعُولٍ وَامْتَنَعَ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهُ خُلِقَ وَيَقُولُ لَيْسَ يُخْلَقُ وَلَا مَخْلُوقٌ وَأَنَّهُ قَائِمٌ بِاَللَّهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ بِكَلَامٍ قَائِمٍ بِغَيْرِهِ، كَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَحَرَّكَ بِحَرَكَةٍ قَائِمَةٍ بِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي إرَادَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَبُغْضِهِ أَنَّ ذَلِكَ أَجْمَعَ قَائِمٌ بِاَللَّهِ، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَمْرٌ وَهُوَ الْإِرَادَةُ مِنْ اللَّهِ الْإِيمَانَ لِأَنَّ مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ الْإِيمَانَ هُوَ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ.

وَحَكَى زُرْقَانُ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَوْهَرَ، وَالْأَعْرَاضَ الَّتِي هِيَ فِيهِ هِيَ فِعْلُ الْجَوْهَرِ إنَّمَا هِيَ فِعْلُ الطَّبِيعَةِ. فَالْقُرْآنُ فِعْلُ الْجَوْهَرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِطَبْعِهِ فَهُوَ لَا خَالِقٌ وَلَا مَخْلُوقٌ. وَهُوَ مُحْدِثٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي هُوَ حَالٌّ فِيهِ بِطَبْعِهِ وَحُكِيَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَشْرَسَ النُّمَيْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ اللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>