للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَشِيئَتِهِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا عَالِمًا غَفُورًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَ أَحْمَدُ ثَلَاثَ صِفَاتٍ مُتَكَلِّمًا عَالِمًا غَفُورًا، فَالتَّكَلُّمُ يُشْبِهُ الْعِلْمَ مِنْ وَجْهٍ وَيُشْبِهُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُشَبَّهُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَالطَّائِفَةُ الَّتِي جَعَلَتْهُ كَالْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ وَالطَّائِفَةُ الَّتِي جَعَلَتْهُ كَالْمَغْفِرَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَصُرَتْ فِي مَعْرِفَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا وَصْفًا لَهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَلَامِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ لَهُ بِوُجُودِ الْكَلَامِ إذَا شَاءَ، وَسَيَجِيءُ كَلَامُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ.

مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ " وَلَيْسَا مِنْ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْهُمَا وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا عَالِمًا، فَقَدْ نَفَى عَنْهُمَا الْخَلْقَ فِي ذَاتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَاتِهِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْهُمَا، وَهُنَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ الْقُرْآنَ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ، وَفِي كَلَامِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ تَحِلُّهُ الْحَوَادِثُ أَوْ لَا تَحِلُّهُ الْحَوَادِثُ كِلَاهُمَا مُنْكَرٍ عِنْدَهُ، وَهُوَ تَقْتَضِي أُصُولُهُ لِأَنَّ فِي نَفْيِ ذَلِكَ بِدْعَةً وَفِي إثْبَاتِهِ أَيْضًا بِدْعَةً وَلِهَذَا أَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ إذْ كَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ مَعْنَى الْخَلْقِ الْمَخْلُوقِ، كَمَا رَوَى الْخَلَّالُ عَنْ الْمَيْمُونِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ. مَا تَقُولُ فِيمَنْ قَالَ إنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مُحْدَثَةٌ. فَقَالَ: كَافِرٌ. ثُمَّ قَالَ لِي: اللَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَمَنْ قَالَ إنَّهَا مُحْدَثَةٌ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ مَخْلُوقٌ، وَأَعْظَمَ أَمْرَهُمْ عِنْدَهُ وَجَعَلَ يُكَفِّرُهُمْ، وَقَرَأَ عَلَيَّ {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الصافات: ١٢٦] وَذَكَرَ آيَةً أُخْرَى.

وَقَالَ الْخَلَّالُ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَحْكِي عَنْ أَبِيهِ كَلَامَهُ فِي دَاوُد الْأَصْبَهَانِيِّ، وَكِتَابَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ فَقَالَ: جَاءَنِي دَاوُد فَقَالَ: تَدْخُلُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَتُعْلِمُهُ قِصَّتِي وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنِّي يَعْنِي مَا حَكَوْا عَنْهُ. قَالَ: فَدَخَلْت عَلَى أَبِي فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ قَالَ: وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى الْبَابِ - فَقَالَ لِي: كَذَبَ قَدْ جَاءَنِي كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، هَاتِ تِلْكَ الضُّبَارَةَ قَالَ الْخَلَّالُ وَذَكَرَ الْكَلَامَ فَلَمْ أَحْفَظْهُ جَيِّدًا، فَأَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى عَنْ زَكَرِيَّا أَبُو الْفَرَجِ الرَّازِيّ قَالَ: جِئْت يَوْمًا إلَى أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَإِذَا عِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَ أَبَا يَحْيَى مَا سَمِعْت مِنْ أَبِيك فِي دَاوُد الْأَصْبَهَانِيِّ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَمَّا قَدِمَ دَاوُد مِنْ خُرَاسَانَ جَاءَنِي فَسَلَّمَ عَلَيَّ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ لِي قَدْ عَلِمْت شِدَّةَ مَحَبَّتِي لَكُمْ وَلِلشَّيْخِ.

وَقَدْ بَلَغَهُ عَنِّي كَلَامٌ فَأُحِبُّ أَنْ تَعْذُرَنِي عِنْدَهُ وَتَقُولَ لَهُ أَنْ لَيْسَ هَذَا مَقَالَتِي أَوْ لَيْسَ كَمَا قِيلَ لَك. فَقُلْت: لَا تُرِيدُ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>